الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " وكل ما أصيب في يديه بفعله أو غيره فهو كالغاصب فيه ، إلا أن تكون أمة فيطأها فتلد منه قبل الدخول ، ويقول : كنت أراها لا تملك إلا نصفها ، حتى أدخل فيقوم الولد عليه يوم سقط ويلحق به ، ولها مهرها ، وإن شاءت أن تسترقها فهي لها ، وإن شاءت أخذت قيمتها منه أكثر ما كانت قيمة ، ولا تكون أم ولد له ، وإنما جعلت لها الخيار ؛ لأن الولادة تغيرها عن حالها يوم أصدقها ، ( قال المزني ) : وقد قال : ولو أصدقها عبدا فأصابت به عيبا فردته ، أن لها مهر مثلها ، وهذا بقوله أولى ، ( قال المزني ) : وإذا لم يختلف قوله أن لها الرد في البيع فلا يجوز أخذ قيمة ما ردت في البيع ، وإنما ترجع إلى ما دفعت ، فإن كان فائتا فقيمته ، وكذلك [ ص: 457 ] البضع عنده كالمبيع الفائت ، ومما يؤكد ذلك أيضا قوله في الخلع : لو خلعها بعبد فأصاب به عيبا أنه يرده ويرجع بمهر مثلها فسوى في ذلك بينه وبينها ، وهذا بقوله أولى " .

قال الماوردي : أما الصداق فقد ذكرنا أنه مضمون على الزوج ، فإن طلبته فمنعها فضمانه عليه ضمان غصب أكثر ما كان قيمة ، وإن لم تطلبه ففي كيفية ضمانه قولان :

أحدهما : ضمان عقد .

والثاني : ضمان غصب .

وأما النماء : فإن منعها منه فهو مضمون عليه ، وإن لم يمنعها منه ، ففي ضمانه عليه قولان إلا أن يكون هو المتلف له ، فيلزمه ضمانه قولا واحدا .

فأما إذا أصدقها أمة ، ولم يدخل بها حتى وطئ الأمة ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يكون عالما بالتحريم ، فالحد عليه واجب ، فإن أكرهها فعليه مهر مثلها ، وإن طاوعته ، ففي وجوب المهر قولان :

أصحهما : أنه لا مهر عليه ؛ لأنها قد صارت بالمطاوعة بغيا ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مهر البغي .

والقول الثاني - وهو اختيار ابن سريج - : أن المهر واجب عليه ؛ لأنه ملك لسيدها ، فلا يسقط ببذلها لها ومطاوعتها ، كما لو بذلت قطع يدها لم يسقط غرم ديتها ، فإن أولدها فالولد مملوك لا يلحق به ؛ لأنه ولد زنا .

فإن نقصتها الولادة والأمة في يده فنقصها مضمون عليه ، وفي ضمانه قولان :

أحدهما : أنه مضمون عليه بأرشه ، وليس له الفسخ مع بقاء العين ، وهذا على قوله في القديم : إن تلف الصداق موجب لقيمته .

والقول الثاني : أنه مضمون عليه بخيارها في المقام أو الفسخ .

فإن أقامت : أخذتها ناقصة ولا أرش لها .

وإن فسخت : رجعت بمهر المثل .

وهذا على قوله في الجديد : إن تلفه موجب لمهر المثل .

فإن ملك الولد لم يعتق عليه ؛ لأن نسبه غير لاحق به ، وإن ملك الأم لم تصر له أم ولد ؛ لأنه لم يلحق به ولدها .

والضرب الثاني : أن يكون جاهلا بالتحريم ؛ لإسلامه حديثا ، أو قدومه من بادية نائية ، أو يدعي شبهة أنه مالكي ، يعتقد أنها لم تملك بالعقد إلا نصفها ، وإن نصفها باق على ملكه ، فهذا والجهل بالتحريم سواء في كونهما شبهة يدرأ بها الحد ، ويجب بها المهر في المطاوعة [ ص: 458 ] والإكراه ، ويلحق به الولد ويكون حرا ؛ لأنه وطئ في شبهة ملك ، وعليه قيمته يوم وضعته ؛ لأنه أول أحوال تقويمه ، وإن كان بالعلوق قد صار حرا .

فأما الأم : فهي على ملك الزوجة ، والكلام في خيارها إن حدث بها نقص على ما مضى ، ولا تصير له أم ولد قبل أن يملكها ، فإن ملكها ففي كونها أم ولد بذلك الإيلاد قولان ذكرناهما في مواضع كثيرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية