الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
قال الشافعي ، رحمه الله : " ولو أصدق عن ابنه ودفع الصداق من ماله ثم طلق ، فللابن النصف ، كما لو وهبه له فقبضه " .

قال الماوردي : وأصل هذه المسألة أن الأب إذا زوج ابنه الصغير لم يخل ما أصدق زوجته عنه من أن يكون معينا ، أو في الذمة .

فإن كان معينا كعبد جعله صداقا لزوجته فهو صداق جائز ، سواء كان العبد للابن ، أو للأب ، إلا أنه إن كان للأب كان ذلك منه هبة للابن .

وإن كان في الذمة : فلا يخلو الابن من أن يكون موسرا ، أو معسرا .

فإن كان موسرا : وجب الصداق في ذمته ، ولا يتعلق بذمة الأب إلا أن يصرح بضمانه ، وإن كان الأب معسرا ، ففي الصداق قولان :

أحدهما - وهو قوله في القديم - : أنه لازم للأب ؛ لأن قبوله لنكاح ولده مع علمه بإعساره التزام منه لموجبه .

والقول الثاني - وهو قوله في الجديد - : أنه لازم للابن دون الأب ؛ لأن الابن هو المالك للبضع ، فوجب أن يكون هو الملتزم بما في مقابلته من الصداق .

[ ص: 469 ] فعلى هذا ، إذا قلنا بقوله في الجديد : أن الصداق لازم للابن ، فهو المأخوذ به في الصغر والكبر دون الأب .

وإذا قلنا بقوله في القديم : أنه لازم للأب ، فقد اختلف أصحابنا هل يلتزمه الأب التزام تحمل ، أو التزام ضمان ؟ على وجهين :

أحدهما : التزام تحمل ، فعلى هذا يكون الابن بريئا منه ، ولو أبرئ الابن منه لم يبرأ الأب .

والوجه الثاني : التزام ضمان ، فعلى هذا يكون ثابتا في ذمة الابن ، وإن أبرئ منه برئ الأب .

فصل : فإذا تقرر ما ذكرنا ، وطلق الابن زوجته قبل الدخول ، فقد ملك بالطلاق نصف الصداق ، فإذا كان كذلك فلا يخلو الصداق من أحد أمرين :

إما أن يكون من مال الابن ، أو من مال الأب .

فإذا كان من مال الابن فحكمه فيه كحكمه لو تزوج بالغا ثم طلق قبل الدخول على ما مضى .

وإن كان من مال الأب : فلا يخلو ماله من أحد أمرين :

إما أن يكون قد سلمه إلى الزوجة قبل طلاقها ، أو لم يسلمه إليها ، فإن كان قد سلمه إليها : فقد ملك الابن نصفه دون الأب ؛ لأنه مملوك بالطلاق ، فاقتضى أن يكون ملك المطلق دون غيره .

فعلى هذا : إذا استرجع الابن نصف الصداق ، فلا يخلو حاله من أحد أمرين ، إما أن يسترجعه بعينه ، أو يسترجع بدله .

فإن استرجع بدله لتلفه في يدها ، فليس للأب أن يرجع به على الابن ؛ لأنه غير العين التي وهبها .

وإن استرجع الابن ما دفعه الأب بعينه ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يكون الصداق معينا وقت العقد كعبد ، أو ثوب ، جعله صداقا عن الابن ، ففي رجوع الأب به على الابن وجهان مبنيان على اختلاف وجهي أصحابنا في الأب ، إذا وهب لابنه مالا فخرج عن ملكه ثم عاد إليه ، هل للأب أن يرجع به أم لا ؟ على وجهين : كذلك هاهنا ؛ لأنها هبة للأب صارت إلى الزوجة ، ثم عادت إلى الابن .

والضرب الثاني : أن يكون الصداق في الذمة فدفعه الأب إلى الزوجة ، فرجوع الأب به على الابن إذا عاد إليه بطلاقه مبني على اختلاف قوليه ، هل كان لازما للأب أم لا ؟ .

فإن قلنا : كان لازما للأب لم يكن له الرجوع به ، سواء قيل : إنه يلزمه تحملا أو ضامنا ؛ لأنه دفع واجبا عليه ، فخرج عن حكم الهبات .

[ ص: 470 ] وإن قلنا : إنه كان لازما للابن صار كالصداق المعين ، فيكون للأب به وجهان .

وإن كان الأب ما سلم الصداق إلى الزوجة حتى طلقت ، فعلى ضربين :

أحدهما : أن يكون الصداق معينا ، فللزوجة نصفه ، والنصف الآخر يعود إلى الأب دون الابن ؛ لأنها هبة من الأب لم يقبضها ، فلذلك لم يملكها الابن عليه .

والضرب الثاني : أن يكون في الذمة ، فإن قيل : إنه لازم للأب لزوم ضمان ، فقد برئ الأب من نصف ؛ لأن الابن قد برئ منه بطلاقه ، وبراءة المضمون عنه توجب براءة الضامن .

وإن قيل : إنه لازم للأب لزوم تحمل ، ففي براءته منه وجهان من اختلاف الوجهين في المعين ، هل للأب أن يرجع به على الابن أم لا ؟ .

فإن قيل : إنه لو كان معينا رجع به على الابن برئ الأب منه إذا كان في الذمة .

وإن قيل : لو كان معينا لم يرجع به ، لم يبرأ منه إذا كان في الذمة ، وكان للأب مطالبته .

التالي السابق


الخدمات العلمية