الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " وإذا تزوج المولي عليه بغير أمر وليه لم يكن له أن يجيز النكاح ، وإن أصابها فلا صداق لها ولا شيء تستحل به ؛ إذا كنت لا أجعل عليه في سلعة يشتريها فيتلفها شيئا ، لم أجعل عليه بالإصابة شيئا " .

قال الماوردي : قد ذكرنا أن المولي بالسفه لا يجوز أن يتزوج بغير إذن وليه ؛ لأن وقوع الحجر عليه قد منعه من التصرف في العقود ، فإن تزوج فالنكاح باطل ، فإن لم يدخل بها فرق بينهما ، ولا أرش عليه ، وإن دخل بها فلا حد عليه لمكان الشبهة ، فإن جاءت بولد لحق به .

فأما المهر ، فعلى ضربين :

أحدهما : أن يكون قد أكرهها على نفسها فعليه مهر مثلها ؛ لأن إكراهه لها كالجناية منه يضمن بها .

[ ص: 471 ] والضرب الثاني : أن تطاوعه من غير إكراه ، ففي وجوب المهر عليه قولان :

أحدهما - وهو المنصوص عليه في هذا الموضع - : أنه لا مهر عليه ؛ لأن الحجر قد أبطل ذمته في الحقوق كما لو اشترى سلعة واستهلكها لم يضمن قيمتها .

والقول الثاني - قاله في القديم - : أن عليه مهر مثلها ؛ لأن البضع لا ينتهك إلا بمهر في الشبهة أو حد في الزنا ، فلما سقط الحد وجب المهر وخالف السلع في البيوع ؛ لأنها تملك بالإباحة ، ولا يملك البضع بالإباحة .

فإذا تقرر هذان القولان . فقد اختلف أصحابنا في موضع القولين .

فذهب البصريون منهم إلى أنهما مع جهلهما بسفهه ، وثبوت حجره ، فإن وجوب مهرها عليه يكون على قولين ، فأما إذا كانت عالمة بسفهه وحجره فلا مهر لها عليه قولا واحدا ؛ لأن في تمكينها مع العلم بحاله إبراء له .

وقال البغداديون منهم : بل القولان مع العلم بحاله مع الجهل بها في أن مهرها على قولين ؛ لأنه غرم يعتبر بفعله ، فعلى هذا إن أوجبنا عليه المهر أخذ من ماله في الحال ، ولم ينظر به فكاك الحجر إلا أن يكون معسرا فينظر به إلى وقت يساره ، وإن أسقطنا عليه المهر فلا شيء عليه في الحال ، ولا بعد فكاك حجره في الحكم .

وهل عليه فيما بينه وبين الله تعالى بعد فكاك حجره أن يدفع إليها ما يصير البضع مستباحا به أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : لا شيء عليه ؛ لأنه فعل ظاهر ، فإذا لم يلزمه به حق في الظاهر ، لم يلزمه في الباطن .

والوجه الثاني : عليه فيما بينه وبين الله تعالى ما يستحل به البضع ؛ لئلا يكون مستبيحا لبضعها بغير بذل ، فعلى هذا فيما يلزمه وجهان :

أحدهما : مهر مثلها ؛ لأنه قيمة مستهلك عليها .

والوجه الثاني : أن يستطيب نفسها بما يصير البضع مستباحا به من غير تقدير مهر المثل ما لم يزد على مهر المثل ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : فلها المهر بما استحل من فرجها . ولئلا يشارك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما خص به من استباحة الموهوبة بغير مهر ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية