الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " وهكذا الزوج وأبو الصبية البكر وورثة الزوجين أو أحدهما " .

قال الماوردي : ذكر الشافعي هاهنا مسألتين ؛ إحداهما : في اختلاف الزوج والولي ، والثانية : في اختلاف ورثة الزوجين أو أحدهما وورثة الآخر .

فأما المسألة الأولى : وهي اختلاف الزوج والولي ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن تكون الزوجة وقت العقد جائزة الأمر بالبلوغ والعقل ، فلا اعتبار بقول الولي في تصديق أو تكذيب ، سواء كان الولي أبا أو عصبة ، وسواء كانت الزوجة بكرا أو ثيبا .

فإن كانت الزوجة مصدقة لزوجها على قدر الصداق لم يؤثر فيه مخالفة الولي ، وإن كانت الزوجة مخالفة لزوجها في قدر الصداق لم يؤثر فيه تصديق الولي ، وكان للزوجين أن يتحالفا على ما مضى ، ولم يجز أن يكون الولي شاهدا للزوج فيما ادعاه من الصداق ؛ لأنه يشهد على فعل نفسه .

والضرب الثاني : أن تكون الزوجة وقت العقد صغيرة ، فليس يصح أن يزوجها إلا أبوها أو جدها .

فإذا اختلف الأب والزوج في قدر صداقها ، فهذا على ضربين :

[ ص: 498 ] أحدهما : أن يكون ما ادعاه الأب هو قدر مهر المثل ، وما يقر به الزوج أقل ، فلا تحالف بينهما ، والقول فيه قول الأب بغير يمين ؛ لأنه لا يجوز للأب أن يزوج الصغيرة بأقل من مهر المثل ، ولو زوجها به لكان لها مهر المثل .

والضرب الثاني : أن يكون ما ادعاه الأب أكثر من مهر المثل ، وما أقر به الزوج قدر مهر المثل ، فهاهنا يكون التحالف ، وإذا وجب التحالف فلا يخلو حال الزوجة وقت الاختلاف والتحالف من أحد أمرين :

إما أن تكون على حال الصغر ، أو قد بلغت .

فإن كانت صغيرة حلف الزوج ، وهل يحالفه الأب أو تكون اليمين موقوفة على بلوغ الزوجة ؟ على وجهين :

أحدهما : أن الزوج إذا حلف لم يجز للأب أن يحلف معه ، ووقفت اليمين على بلوغ الزوجة بأمرين :

أحدهما : أن النيابة في الأيمان لا تصح .

والثاني : أن اليمين إنما وضعت لإثبات حق الحالف ، أو دفع مطالبة عنه ، وليس الأب بهذه المنزلة فلم يجز أن يحلف ، وتأول قائل هذا الوجه قول الشافعي " وكذلك الزوج وأبو الصبية " ، يعني في أنهما إذا اختلفا قدم الحاكم الزوج في إحلافه .

والوجه الثاني - وهو قول أبي العباس بن سريج ، وأبي إسحاق المروزي ، والظاهر من نص الشافعي - : أنه يجوز للأب أن يحلف مع الزوج ؛ لأمرين :

أحدهما : أنه مباشر للعقد ، فجاز أن يحلف على فعل نفسه ، وإن كان في حق غيره كالوكيل .

والثاني - وأشار إليه ابن سريج - : أنه لما قبل إقراره فيه ، وإن كان في حق غيره جاز إحلافه فيه عند إنكاره .

فعلى هذا إن حالف الأب الزوج حكم للزوجة بمهر المثل ، وإن نكل الأب عن اليمين ، ففيه وجهان :

أحدهما : يحكم بنكوله ويقضى بالمهر الذي اعترف به الزوج إذا كان بقدر مهر المثل ؛ لأن من حكم بيمينه إذا حلف حكم بنكوله إذا نكل .

والوجه الثاني : أنه لا يحكم بنكوله ؛ لما فيه من إسقاط حق الزوجة ، وتوقف اليمين على بلوغها ؛ لجواز أن يثبت بيمينها ما لا يثبته الولي فيحكم لها به .

وإن كانت الزوجة وقت التحالف بالغة ، [ ص: 499 ] فإن قيل : إن الأب لا يجوز أن يحالف الزوج في حال صغرها فأولى ألا يحالفها في حال كبرها . وإذا قيل : له محالفة الزوج في حال صغرها ، فأيهما أحق بمحالفة الزوج ؟ فيه وجهان ، من اختلاف المعنيين في تعليل هذا الوجه :

أحدهما : أن الأب المباشر للعقد هو المحالف للزوج ؛ لفضل مباشرته ، وتعليلا بقبول اعترافه .

والوجه الثاني : أن الزوجة المالكة هي المحالفة للزوج دون الأب ؛ لاختصاصها بالملك ، وتعليلا بأن الأب نائب .

وعلى الوجهين معا : لو امتنع الأب من اليمين ، جاز لها محالفة الزوج ، وإنما الوجهان : هل يجوز مع بلوغها أن يحلف الأب ؟ .

التالي السابق


الخدمات العلمية