الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولو نكح امرأة على ألف وعلى أن يعطي أباها ألفا ، كان جائزا ، ولها منعه وأخذها منه ؛ لأنها هبة لم تقبض أو وكالة " .

قال الماوردي : ذكر المزني هذه المسألة على صورة التي قبلها ، وخالف بينهما في الجواب ، فقال : ولو نكحها على ألف وعلى أن يعطي أباها ألفا كان جائزا .

[ ص: 504 ] وقال في الأولى : ولو عقد نكاحها بألف على أن لأبيها ألفا فالمهر فاسد . وهما في الصورة سواء ، وفي الجواب مختلفان .

فذهب أكثر أصحابنا إلى أن المزني أخطأ في نقل هذه المسألة ، وأن هذا الجواب مسطور للشافعي في " الأم " في غير هذه المسألة ، وهو أن يتزوجها على ألفين على أن يعطي أباها ألفا منها ، أو تعطي أباها ألفا منها ، فإن كانت هي المعطية للألف فهي هبة للأب ، وإن كان هو المعطي للألف احتمل أن تكون هبة للأب ، واحتمل أن تكون وكالة يتولى قبضها الأب ، فيكون الصداق جائزا ؛ لأن جميع الألفين صداق ، ولم يؤثر فيه هذا الشرط ؛ لأنه لم يشترط لنفسه عليها ، ولا اشترط لها على نفسه .

وإذا لم يكن الشرط على أحد هذين الوجهين لم يؤثر في زيادة الصداق ولا نقصانه ، فسلم من الجهالة ، فلذلك صح .

فأما ما نقله المزني فخطأ ، وجوابه كجواب المسألة الأولى ؛ لتماثلهما في الصورة ، والذي عندي أن نقل المزني صحيح ، وأنه متأول على ما ذكروه ، ومحمول الجواب على ما صوروه ؛ لأن في لفظ المسألة دليلا على هذا التأويل وهو المفرق بينها وبين المسألة الأولى ؛ لأنه قال في هذه : ولو تزوجها على ألف وعلى أن يعطي أباها ألفا ، وقال في الأولى : ولو عقد نكاحها بألف على أن لأبيها ألفا . فجعل لأبيها في هذه المسألة قبض الألف ، وجعل لأبيها في المسألة الأولى ملك الألف ، فدل على أن الألفين في هذه المسألة صداق للزوجة فلذلك صح ، وفي الأولى إحداهما صداق لها والأخرى للأب ، فلذلك بطل .

ثم يوضح أن نقل المزني صحيح ، وأنه محمول على هذا التأويل ما ذكره في الحكم وبينه من التعليل ؛ لأنه قال : ولها منعه وأخذها منه ، وليس لها أن تمنع الزوج من دفع ماله ، ولا لها أن تأخذ غير صداقها ، فدل على أن الألفين كانت صداقا لها ، ثم بين في التعليل ، فقال : لأنها هبة لم تقبض ، أو وكالة لم تتم ، فدل على أن الشرط كان معقودا على أن تهب هي من الألفين ألفا لأبيها ، أو توكله في قبضها ، فكانت على خيارها في أن تتمم الهبة بالقبض أو ترجع فيها ، أو تتمم الوكالة أو تبطلها .

وقد ذكر الشافعي مثل هذه المسألة في كتاب الأم يريد بها ما ذكرنا من التأويل ، فقال : ولو أصدقها ألفين على أن يعطي أباها ألفا وأمها ألفا ، كان الكل للزوجة ، وإنما يكون الكل لها إذا كان الكل صداقا تكون لها بالتسمية لا بالشرط بخلاف ما قال مالك .

التالي السابق


الخدمات العلمية