الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم "

وهذا كما قال

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة في الصلاة في التشهد الآخر ، وبه قال من الصحابة عبد الله بن مسعود ، وأبو مسعود البدري ، ومن التابعين : محمد بن كعب القرظي ، ومن الفقهاء إسحاق بن راهويه

وقال أبو حنيفة ، ومالك وسائر الفقهاء : هي سنة وليست بواجبة استدلالا بحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم حين علمه التشهد قال له : " فإذا قضيت هذا فقد قضيت صلاتك ، فإن شئت أن تقوم فقم ، وإن شئت أن تقعد فاقعد " . قالوا : ولأنها جلسة موضوعة للتشهد فوجب أن لا تجب فيها الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كالتشهد الأول ، قالوا : ولأنه ذكر في قعود فاقتضى أن يكون غير واجب كالدعاء ، قالوا : ولأن أصول الصلاة موضوعة على أنه لا يجب ذكران في ركن ، فلما زعمتم أن التشهد واجب اقتضى أن تكون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم غير واجبة

ودليلنا قوله عز وجل : إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما

قال الشافعي : فأوجب علينا أن نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم وأولى الأحوال أن يكون في الصلاة ، وقال أصحابنا : أوجب علينا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أجمعوا أنه لا يجب في غير الصلاة فثبت أنه في الصلاة

قال الكرخي : إنما الواجب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في غير الصلاة ، وهو أن يصلي عليه في العمر مرة واحدة ، فيقال له الكلام مع أبي حنيفة ، وهو لا يوجب الصلاة عليه بحال

وروى فضالة بن عبيد : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو في صلاته فلم يحمد ربه ، عز وجل ، ولم يصل على نبيه صلى الله عليه وسلم فقال : " إذا صلى أحدكم فليف بالحمد لله والثناء عليه ، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم " وهذا أمر

[ ص: 138 ] وروى سهل بن سعد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا صلاة لمن لم يصل علي فيها

وروى ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال : قلنا يا رسول الله أمرتنا أن نصلي عليك وأن نسلم عليك فأما السلام فقد عرفناه ، وكيف نصلي ؟ " فأخبر أن الصلاة عليه مأمور بها ، ولأنها عبادة تفتقر إلى ذكر الله ، عز وجل ، فوجب أن تفتقر إلى ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم كالأذان

فأما الجواب عن حديث ابن مسعود فمن وجهين :

أحدهما : أن قوله " فإن شئت فقم ، وإن شئت فاقعد " من قول ابن مسعود ، وإنما أدرجه بعض الرواة ، هكذا قاله أصحاب الحديث

والثاني : أن نسلم لهم ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ويحمل على ما قبل فرض التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لأن ابن مسعود قال : " كنا قبل أن يفرض علينا التشهد نشير بأيدينا "

وأما قياسهم على التشهد الأول فالمعنى فيه : أن محله غير واجب ، وأما استدلالهم أن أحوال الصلاة موضوعة على أنه لا يجب ذكران منها في ركن فهو أصل لا يستمر ، ودليل لا يسلم لأن القيام ذكر ، وفيه ذكران مفروضان الإحرام ، والقراءة ، فكذلك القعود ، فإذا ثبت وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بما ذكرنا فسيأتي ذكر ذلك وصفته من بعد في " ذكر التشهد "

التالي السابق


الخدمات العلمية