الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما القسم الثالث : وهو ما يختلف حكمه باختلاف مشترطه ، فهو ما منع مقصود العقد في إحدى الجهتين دون الأخرى ، فمثل أن يتزوجها على ألا يطأها ، فإن كان الشرط من جهتها ، فتزوجته على ألا يطأها فالنكاح باطل ؛ لأنها قد منعته ما استحقه عليها من مقصود العقد .

وإن كان الشرط من جهته ، فتزوجها على ألا يطأها ، فالنكاح على مذهب الشافعي صحيح ؛ لأن له الامتناع من وطئها بغير شرط ، فلم يكن في الشرط منع من موجب العقد .

وقال أبو علي بن أبي هريرة : على الزوج أن يطأها في النكاح مرة واحدة ، على قوله إذا شرط عليها ألا يطأها يبطل النكاح ، كما لو شرطت عليه ألا يطأها .

وليس هذا بصحيح لما ذكره في باب العنين .

فأما إذا كان الشرط : أن يطأها ليلا دون النهار ، فقد حكى أبو الطيب بن سلمة عن أبي القاسم الأنماطي أنه إن شرط الزوج عليها ذلك صح الشرط ؛ لأنه له أن يفعل ذلك من غير شرط ، وإن شرطت الزوجة ذلك بطل النكاح ؛ لأنه يمنع مقصود العقد ، وهذا صحيح . ولا يخالف فيه أبو علي بن أبي هريرة .

فأما إن كان الشرط ألا يقسم لها :

فإن كان من جهتها صح النكاح ؛ لأن لها العفو عن القسم .

[ ص: 508 ] وإن كان من جهته بطل النكاح إن كان معها غيرها ، وصح إن انفرد بنفسها ؛ لأنها تستحق القسم مع غيرها ، ولا تستحقه بانفرادها .

وأما إن كان الشرط ألا يدخل عليها سنة :

فقد قال الربيع : إن كان الشرط من جهته صح النكاح ؛ لأن له أن يمنع من الدخول بغير شرط ، وإن كان من جهتها بطل النكاح ؛ لأنه ليس لها أن تمنعه من غير شرط ، فصار الشرط مانعا من مقصود العقد .

وعلى هذا التقدير : لو تزوجها على أن يطلقها بعد شهر ، فإن كان الشرط من جهة الزوج صح العقد ؛ لأن له أن يطلقها من غير شرط ، وإن كان من جهة الزوجة بطل العقد ؛ لأنه منع من استدامة العقد .

ولو تزوجها على أن يخالعها بعد شهر .

فإن كان الشرط من جهتها بطل العقد ، وإن كان من جهته ففي بطلانه وجهان :

أحدهما : أن العقد باطل ؛ لأنه قد أوجب عليها بالخلع بذل ما لا يلزمها .

والوجه الثاني : أن العقد صحيح ؛ لأنه شرط لم يمنع من مقصود العقد ، فصار عائدا إلى الصداق ، فبطل به الصداق ، وكان لها مهر المثل .

التالي السابق


الخدمات العلمية