الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ القول في شروط الخيار في النكاح ]

مسألة : قال الشافعي : " ولو أصدقها دارا ، واشترط له أو لهما الخيار فيها ، كان المهر فاسدا " .

[ ص: 509 ] قال الماوردي : اعلم أن عقد النكاح لا يدخله خيار المجلس ، ولا خيار الثلاث ؛ لأنه ينعقد ناجزا ، لا تقصد فيه المغابنة ، والخيار موضوع لاستدراك المغابنة .

فإن شرط فيه أحد الخيارين ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يشترطاه أو أحدهما في عقد النكاح ، فالنكاح باطل باشتراطه فيه ؛ لمنافاته له في اللزوم .

والضرب الثاني : أن يكون مشروطا في الصداق دون النكاح ، فقد قال الشافعي في " الأم " ، ونقله المزني هاهنا : أن الصداق باطل ، والنكاح جائز .

وقال في " الإملاء " : النكاح باطل .

فاختلف أصحابنا في اختلاف نصه في هذين الموضعين :

فخرجه أبو علي بن أبي هريرة على قولين :

أحدهما : أن الصداق باطل ، والنكاح جائز ؛ لأن بطلان الصداق لا يقدح في صحة النكاح .

والقول الثاني : أن النكاح باطل ؛ لبطلان الصداق ، ولم يحك عن الشافعي أنه أبطل النكاح لبطلان الصداق ، إلا في هذا الموضع ؛ لأن دخول الخيار في البدل كدخوله في المبدل .

وقال سائر أصحابنا : ليس ذلك على اختلاف قولين ، وإنما هو على اختلاف حالين ؛ فالموضع الذي أبطل فيه النكاح إذا كان الخيار مشروطا في النكاح ، والموضع الذي أبطل فيه الصداق وأجاز النكاح إذا كان الخيار مشروطا في الصداق دون النكاح ؛ لأن الصداق عقد يصح إفراده عن النكاح ، كما يصح إفراد النكاح عنه ، فلم يوجب بطلان الصداق بطلان النكاح .

فإذا قيل ببطلان النكاح : فلا مهر ، فإن أصابها فعليه مهر مثلها .

وإذا قيل بصحة النكاح : فقد حكى أبو حامد الإسفراييني في الصداق والخيار لأصحابنا ثلاثة أوجه - ولم أر غيره يحكيه ؛ لأن نص الشافعي لا يقتضيه - :

أحدها : هو أن الخيار باطل والصداق باطل ، ولها مهر مثلها ؛ لأنه لما امتنع دخول الخيار في النكاح امتنع دخوله في بدله ، والخيار إذا دخل فيما ينافيه أبطله .

والوجه الثاني - وهو خلاف نصه - : أن الصداق جائز ، والخيار ثابت ؛ لأن الصداق عقد معاوضة يصح إفراده ، فجرى حكمه حكم الخيار فيه مجراه في عقود المعاوضات .

[ ص: 510 ] والوجه الثالث : أن الخيار باطل والصداق جائز ؛ لأن الصداق تبع للنكاح فيثبت بثبوته ، ولم يقدح فيه بطلان الشرط .

التالي السابق


الخدمات العلمية