الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " وأي الزوجين عفا عما في يديه ، فله الرجوع قبل الدفع أو الرد والتمام أفضل " .

قال الماوردي : وهذا كما قال .

إذا طلق الرجل الرشيد زوجته الرشيدة قبل الدخول تنصف الصداق بينهما ، فكان لها نصفه بالعقد ، وصار للزوج نصفه ، وفيما يصير به مالكا لنصفه قولان مضيا :

أحدهما : أنه يصير مالكا لنصفه بنفس الطلاق .

والقول الثاني : أنه ملك بالطلاق أن يتملك نصف الصداق .

فإن لم يعف واحد منهما عن حقه تقاسماه عينا كان أو في الذمة ، وإن عفا واحد منهما ، فلا يخلو حال الصداق من أن يكون عينا أو في الذمة .

فإن كان الصداق في الذمة ، فعلى ضربين :

أحدهما : أن يكون في ذمة الزوج ، وذلك من أحد وجهين .

- إما أن يكون قد أصدقها مالا في الذمة .

- أو أصدقها عينا تلفت في يده ، فصار غرمها في الذمة .

فلا يخلو حال العافي من أن يكون هو الزوج أو الزوجة .

- فإن كان العافي هي الزوجة ، فعفوها يكون إبراء محضا ، ويصح بأحد ستة ألفاظ :

إما أن تقول : قد عفوت ، أو قد أبرأت ، أو قد تركت ، أو قد أسقطت ، أو قد ملكت ، أو قد وهبت .

فبأي هذه الألفاظ الستة أبرأته صح ، ولم تفتقر إلى قبوله على مذهب الشافعي وأكثر أصحابنا .

وقال بعض أصحابه - منهم أبو العباس بن رجاء البصري - : الإبراء لا يتم إلا بالقبول كالهبة . وهذا قول أبي حنيفة .

وهذا فاسد من وجهين :

[ ص: 519 ] أحدهما : أنه إسقاط ملك ، فأشبه العتق .

والثاني : أنه عفو ، فأشبه العفو عن القصاص والشفعة .

وإن كان العافي هو الزوج : فعفوه هبة محضة لا يصح من الألفاظ الستة إلا بإحدى لفظين : إما الهبة وإما التمليك ، ولا يتم إلا بثلاثة أشياء :

ببذل الزوج ، وقبول الزوجة ، وقبض من الزوج أو وكيله فيه إلى الزوجة أو وكيلها فيه .

فإن لم تقبض فله الرجوع ، وهو معنى قول الشافعي : فله الرجوع قبل الدفع .

التالي السابق


الخدمات العلمية