الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ إذا اختلف الزوج مع الزوجة أو وليها أيهما يسلم أولا ما عليه ] .

مسألة : قال الشافعي : " وإن كانت بالغة ، فقال : لا أدفع حتى تدخلوها ، وقالوا : لا ندخلها حتى تدفع ، فأيهما تطوع أجبرت الآخر ، فإن امتنعوا معا أجبرت أهلها على وقت يدخلونها فيه ، وأخذت الصداق من زوجها ، فإذا دخلت دفعته إليها ، وجعلت لها النفقة إذا قالوا ندفعها إليه إذا دفع الصداق إلينا " .

قال الماوردي : اعلم أن للزوجين ثلاثة أحوال :

إحداهن : أن تبدأ المرأة بتسليم نفسها ، وتمكين الزوج منها ، فيجوز للزوج إصابتها قبل قبض شيء من صداقها ، وعلى الزوج تسليم صداقها إليها .

وقال مالك : لا يجوز له إصابتها إلا أن يدفع إليها صداقها ، أو شيئا منه . وبه قال ابن عباس ، وقتادة .

[ ص: 536 ] قال مالك : وأقل ما يدفعه إليها ؛ ليستبيح به إصابتها أقل ما يجوز أن يكون صداقا ، وهو ربع دينار .

وهذا فاسد ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، وكما لو كان صداقا مؤجلا .

والحال الثانية : أن يبدأ الزوج بتسليم الصداق إليها فعليها تسليم نفسها إليه ، فإن امتنعت صارت ناشزا ولا نفقة لها .

والحال الثالثة : أن يتمانعا فتقول الزوجة : لا أسلم نفسي حتى أقبض صداقي ، ويقوله الزوج : لا أدفع الصداق حتى تسلمي نفسك ، ففيه قولان :

أحدهما : أنه لا يجبر واحد منهما على التسليم ، بل تقطع الخصومة بينهما ويتركان ، فأيهما تطوع بتسليم ما عليه أجبر الآخر على تسليم ما في مقابلته ، وإنما لم يبدأ بإجبار واحد منهما ؛ لأن لكل واحد منهما حقا وعليه حق ، فلم يكن الحق الذي عليه في البداية باستيفائه منه بأولى من الحق الذي له في البداية باستيفائه له فتساوى الأمران ، فوجب تركهما وقطع التخاصم بينهما .

والقول الثاني : أن الحاكم ينصب لهما أمينا ، ويأمر الزوج بتسليم الصداق إليه ، فإذا تسلمه أمر الزوجة بتسليم نفسها إلى الزوج ، فإذا سلمت نفسها سلم الأمين الصداق إليها ؛ لأن الحاكم موضوع لقطع التنازع ، وفعل الأحوط في استيفاء الحقوق ، وهذا أحوط الأمور فيها ، وأقطع للتنازع بينهما .

وهذان القولان في تنازع المتبايعين في التسليم ، وفي البيع قول ثالث : أنه يجبر البائع على تسليم السلعة ، ويجبر المشتري على تسليم الثمن .

ولا يجيء تخريج هذا القول الثالث في تنازع الزوجين ؛ لأن المشتري يمكن أن يحجر عليه في السلعة حتى يسترجع منه إن امتنع من تسليم الثمن ، ولا يمكن إذا سلمت الزوجة نفسها أن يمنع منها ، وربما استهلك بضعها بالدخول قبل تسليم صداقها .

التالي السابق


الخدمات العلمية