الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ القول في إجبار المرأة الضعيفة على الدخول ]

مسألة : قال الشافعي : " وإن كانت نضوا أجبرت على الدخول ، إلا أن يكون من مرض لا يجامع فيه مثلها فتمهل " .

قال الماوردي : أما النضوة الخلق ، فهي الدقيقة العظم القليلة اللحم ، فإذا كانت المرأة نضوة الخلق ، فلها حالتان .

إحداهما : أن يكون ذلك خلقة لا يرجى زواله ، فعليها تسليم نفسها كغيرها من النساء ، وللزوج أن يستمتع بها بحسب طاقتها ولا ينكأها في نفسها ويؤذيها في بدنها .

وقد كانت عائشة رضي الله عنها خفيفة اللحم ، لخفة لحمها رفع هودجها في غزوة المريسيع ، وقد خرجت منه للحاجة ، فلم يعلم خروجها منه حتى أدركها صفوان بن المعطل فحملها ، وكان من شأن الإفك أن أنزل الله تعالى فيه من القرآن ما أنزل ، فلم تمنع ضؤولتها وخفة لحمها من دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم بها .

فلو كانت النضوة على حد إن وطئها الزوج أتلفها ، منع من وطئها ، ولا خيار له في فسخ نكاحها ، بخلاف الرتقاء التي يستحق الزوج فيها خيار الفسخ ؛ لتعذر وطئها .

والفرق بينهما : أن الرتقاء لا يقدر كل زوج على وطئها ، فصار المنع مختصا بها ، فكان له الخيار ، والنضوة الخلق يمكن غير هذا الزوج إذا كان مثلها نضوا أن يطأها ، فصار المنع منهما ، فلم يكن له الخيار .

والحال الثانية : أن يكون ذلك بحادث من مرض يرجى زواله ، فلا يلزمها تسليم نفسها ، وتمهل حتى تصح من مرضها .

والفرق بين أن يكون بحادث مرض ، وبين أن يكون خلقة من وجهين :

أحدهما : أن ما يرجى زواله فالاستمتاع مستحق فيه بعد الصحة ، فلم يلزمها تسليم نفسها قبل الصحة ، وما لا يرجى زواله فالاستمتاع فيه مستحق في الحال ؛ لأنها حال الصحة ، فلزمها تسليم نفسها .

والثاني : أن العادة جارية بتأخير زفاف المريضة إلى حال الصحة ، فلم يلزمها التسليم قبل الصحة ، والعادة جارية بتسليم النضوة الخلقة عاجلا ، فلزمها التسليم في الحال اعتبارا بالعادة فيهما .

[ ص: 538 ] فعلى هذا إذا منعته من نفسها بالمرض ، فلا نفقة لها لفوات الاستمتاع بها ، ولو سلمت نفسها لزمته النفقة ، كما لو مرضت بعد التسليم ، وكان لها النفقة ؛ لأن المرض الحادث بعد التسليم ، لا يسقط النفقة ، وإن منع من الوطء كالحيض .

التالي السابق


الخدمات العلمية