الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " في نثر الجوز واللوز والسكر في العرس ، لو ترك كان أحب إلي ؛ لأنه يؤخذ بخلسة ونهبة ، ولا يبين أنه حرام ، إلا أنه قد يغلب بعضهم بعضا ، فيأخذ من غيره أحب إلى صاحبه " .

قال الماوردي : أما نثر السكر واللوز في العرس ، أو غير ذلك من طيب أو دراهم ، فمباح إجماعا ، اعتبارا بالعرف الجاري فيه ؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين زوج عليا بفاطمة رضي الله عنها نثر عليهما ، لكن اختلف الفقهاء في استحبابه وكراهيته ، فذهب أبو حنيفة [ ص: 566 ] إلى أنه مستحب ، وفعله أولى من تركه ؛ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن النثر ، فقال : هبة مباركة .

وقال بعض أصحابنا : هو مباح ليس بمستحب ولا مكروه ، وفعله وتركه سواء ، وقال سائر أصحابنا - وهو الظاهر من مذهب الشافعي - : أنه مكروه وتركه أفضل من فعله ؛ لأمور :

أحدها : أنه قد يوقع بين الناس ؛ تناهبا وتنافرا ، وما أدى إلى ذلك فهو مكروه .

والثاني : أنه قد لا يتساوى الناس فيه ، وربما حاز بعضهم أكثره ، ولم يصل إلى آخرين شيء منه ، فتنافسوا .

والثالث : أنه قد يلجأ الناس فيه إلى إسقاط المروءات إن أخذوا ، أو يتسلط عليهم السفهاء إن أمسكوا ، وقد كانت الصحابة ومن عاصر الرسول صلى الله عليه وسلم أحفظ للمروءات وأبعد للتنازع والتنافس ، فلذلك كره النثار بعدهم ، وإن لم يكره في زمانهم ، وعادة أهل المروءات في وقتنا أن يقتسموا ذلك بين من أرادوا أو يحملوا إلى منازلهم ، فيخرج عن حكم النثر إلى الهدايا .

التالي السابق


الخدمات العلمية