الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 568 ] مختصر القسم ونشوز الرجل على المرأة ، من الجامع ومن كتاب عشرة النساء ومن كتاب نشوز المرأة على الرجل ، ومن كتاب الطلاق من أحكام القرآن ومن " الإملاء "

قال الشافعي ، رحمه الله : " قال الله تبارك وتعالى : ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف [ البقرة : 228 ] ، ( قال الشافعي ) : وجماع المعروف بين الزوجين كف المكروه ، وإعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه لا بإظهار الكراهية في تأديته ، فأيهما مطل بتأخيره ، فمطل الغني ظلم " .

قال الماوردي : اعلم أن الله تعالى أوجب للزوجة على زوجها حقا ، حظر عليه النشوز عنه ، كما أوجب له عليها من ذلك حقا ، حظر عليها النشوز عنه ، قال الله تعالى : قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم [ الأحزاب : 50 ] ، إشارة إلى ما أوجبه لها من كسوة ونفقة ، وقسم ، قال تعالى : وعاشروهن بالمعروف [ النساء : 19 ] ، فكان من عشرتها بالمعروف تأدية حقها والتعديل بينها وبين غيرها في قسمها ، قال تعالى : ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة [ النساء : 129 ] . وقال تعالى : ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف [ البقرة : 228 ] . فبين الله تعالى أن لهن حقا ، وأن عليهن حقا ، ولم يرد بقوله : ولهن مثل الذي عليهن [ البقرة : 228 ] في تجانس الحقين وتماثلهما ، وإنما أراد في وجوبهما ولزومهما ، فكان من حقها عليه وجوب السكنى والنفقة والكسوة .

ثم فسر الشافعي قوله بالمعروف : فقال : " وجماع المعروف بين الزوجين كف المكروه ، وإعفاء صاحب الحق من المؤنة في طلبه " .

وهذا صحيح ؛ لأنه ليس فعل المكروه من المعروف المأمور به بين الزوجين ولا إلزام المؤنة في استيفاء الحق معروف .

ثم قال : " لا بإظهار الكراهية في تأديته " .

[ ص: 569 ] وهذا صحيح ؛ لأن تأدية الحق بالكراهية وعبوس الوجه وغليظ الكلام ليس من المعروف .

ثم قال : " فأيهما مطل فمطل الغني ظلم " .

وهذا صحيح ؛ لأن القادر على أداء الحق ظالم بتأخيره ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : مطل الغني ظلم ، ثم يدل على ما ذكرناه من طريق السنة ما روى موسى بن عقبة ، عن صدقة بن يسار ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أيها الناس إن النساء عندكم عوان أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ، فلكم عليهن حق ، ولهن عليكم حق ، ومن حقكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحدا ولا يعصينكم في معروف ، فإذا فعلن ذلك فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ، فكان القسم من جملة المعروف الذي لهن .

وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، فالرجل راع لأهله وهو مسئول عنهم .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقسم بين نسائه ، ويقول : اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما لا أملك ، يعني قلبه .

وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرض طيف به على نسائه محمولا ، فلما ثقل أشفقن عليه ، فحللنه من القسم ، ليقم عند عائشة رضي الله تعالى عنها لميله إليها ، فتوفي عندها صلى الله عليه وسلم ، فلذلك قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري ، وفي يومي ، ولم أظلم فيه أحدا ، فدل هذا على وجوب القسم وتغليظ حكمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية