الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تقرر توجيه القولين كان الحكمان على القول الأول حاكمين ، وعلى القول الثاني وكيلين ، ولا بد من اعتبار شروط في صحة تحكيمهما ، وهي تنقسم ثلاثة أقسام .

قسم يجب اعتباره فيهما .

وقسم يستحب اعتباره فيهما .

وقسم يختلف باختلاف القول فيهما .

فأما ما يجب اعتباره فيهما من الشروط فثلاثة :

أحدها : أن يكونا رجلين ، فإن كانا أو أحدهما امرأة ، لم يجز .

والثاني : أن يكونا حرين ، فإن كانا أو أحدهما عبدا ، لم يجز .

والثالث : أن يكونا عدلين ، فإن كانا أو أحدهما غير عدل ، لم يجز .

وإنما اعتبرنا هذه الشروط الثلاثة على القولين معا ؛ لأنهما إن كانا حاكمين فلا بد من اعتبار هذه الشروط في الحاكم ، وإن كانا وكيلين فقد اقترن بوكالتهما ولاية اختيار الحاكم لهما ، ولا يصح فيمن رد الحكم إليه نظر إلا أن يكون بهذه الصفات ، ألا ترى أن الحاكم لو أراد أن يرد النظر في مال يتيم إلى عبد أو فاسق لم يجز ، وإن جاز أن يكون وكيلا .

وأما ما يستحب اعتباره فهو أن يكون الحكمان من أهل الزوجين ؛ لقوله تعالى : فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ، ولأن الأول أخص بطلب الحظ من الأجانب ؛ [ ص: 605 ] ولأن الأنس بالأهل والاستجابة لهم ، وشرح الحال معهم أكثر من الأجانب ، فلهذه الأمور اخترنا أن يكون الحكمان من أهل الزوجين ، فإن كانا أجنبيين جاز ؛ لأنه إن جرى التحكيم مجرى الحاكم ، فحكم الأجنبي نافذ ، وإن جرى مجرى الوكالة فوكالة الأجنبي جائزة ؛ ولأنه قد لا يكون لواحد من الزوجين أهل ولا إن كانوا حضروا ، ولا إن حضروا كانوا عدولا ، فدعت الضرورة إلى جواز تحكيم غير الأهل .

وأما ما يختلف باختلاف القول فيهما ، فهو أن يكونا فقيهين من أهل الاجتهاد في الأحكام .

فإن قلنا : إنهما يجريان مجرى الحاكمين ، فلا بد أن يكونا من أهل الاجتهاد ، فإن لم يكونا من أهله لم يجز ؛ لأنه حكم فلم ينفذ إلا من مجتهد ، وإن قلنا : إنهما يجريان مجرى الوكيلين جاز ألا يكونا من أهل الاجتهاد ؛ لأن وكالة العامة جائزة ، فإن عدل الحاكم عن أهلها إلى أجنبيين اختار لكل واحد منهما حكما يثق به ويأنس إليه ، ولا يجوز أن يحكم عليهما عدوين للتهمة اللاحقة بهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية