الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " وجملة ذلك أن تكون المرأة المانعة ما يجب عليها له المفتدية تخرج من ألا تؤدي حقه أو كراهية له فتحل الفدية للزوج وهذه مخالفة للحال التي تشتبه فيها حال الزوجين خوف الشقاق " .

قال الماوردي : وجملة الخلع أنه على ضربين :

أحدهما : أن يكون عن سبب يدعو إليه .

والثاني : أن يكون عن غير سبب .

فإن كان عن سبب يدعو إليه فهو على أربعة أقسام : مباح ومكروه وفاسد ومختلف فيه .

فأما القسم الأول وهو المباح فيكون من أحد الزوجين : إما لكراهة وإما لعجز .

فأما الكراهة فهو أن تكره منه إما سوء خلقه ، وإما سوء فعله وإما قلة دينه وإما قبح منظره وهو مقيم بحقها ، فترى لكراهتها له بأحد هذه الوجوه أن تفتدي منه نفسها فتخالعه فيكون ذلك مباحا . وأما العجز فيكون تارة لعجزه عن الاستمتاع أو المال ، وأما العجز عن كثرة الاستمتاع فتخالعه لأجل العجز فيكون الخلع مباحا .

وأما القسم الثاني : وهو المكروه فيكون من أحد وجهين : تارة من جهتها وتارة من جهته ، فأما الذي من جهتها فهو أن تميل إلى غيره وترغب في نكاحه فتخالع هذا لتنكح من مالت إليه ورغبت فيه فهذا خلع مكروه لما رواه ثابت بن يزيد عن عقبة بن عامر قال : [ ص: 6 ] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المختلعات المنتزعات هن المنافقات يعني التي تخالع الزوج لميلها إلى غيره ، إلا أن الخلع جائز : لأن هذا يفضي إلى التباغض والكراهة ، فيكون الخلع جائزا وهو مكروه من جهتها لا من جهته .

وأما الذي من جهته فهو أن تكون المرأة ذات مال فيضيق الزوج عليها مع قيامه بالواجب لها طمعا في مالها أن تخالعه على شيء منه فهذا مكروه من جهته لا من جهتها وهو جائز لأن له سببا يفضي إلى التباغض والكراهة .

وأما القسم الثالث : وهو الفاسد فيكون من وجهين :

أحدهما : أن ينالها بالضرب والأذى حتى تخالعه فيكون الخلع باطلا لأنه عقد معاوضة عن إكراه فكان كسائر عقود المكروه .

والثاني : أن يمنعها ما تستحقه عليه من النفقة والسكنى والقسم لتخالعه فيكون الخلع مع ذلك باطلا لأنه بمنع الحق قد صار مكرها .

وأما القسم الرابع : وهو المختلف فيه فهو أن تزني الزوجة فيعضلها ، لتفتدي نفسها منه فالعضل على ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يمنعها النفقة والكسوة الواجبة لها فهذا العضل محظور والخلع معه باطل .

والثاني : أن يقوم بجميع حقوقها ويعضلها بالتضييق عليها حذارا من الزنا فهذا مباح ، والخلع معه جائز .

والثالث : أن يقوم بنفقتها ويعضلها في القسم لها فلا يقسم لها لتفتدي منه نفسها ففي جواز الخلع قولان :

أحدهما : يجوز لقول الله تعالى : ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة [ النساء : 19 ] يعني الزنا فمنعه الله تعالى من العضل لأجل الفدية إلا مع الزنا فكان الظاهر يقتضي جوازه بالعضل مع وجود الزنا ولأنه يمنعها من القسم مع وجود الزنا منها ليحفظ فراشه عن ماء غيره .

والقول الثاني : أن هذا العضل حرام ، وهي على حقها من القسم وامتناعه من القسم لها لا يمنع من لحوق ولدها به ، لوجوده على فراشه ، وأنه قد يقدر بالطلاق على الفراق ، ولأنه لو جاز بهذا المعنى أن يسقط حقها من القسم حتى تخالعه لجاز لأجله إسقاط حقها من النفقة لتخالعه .

فأما الآية ففيها جوابان : [ ص: 7 ] أحدهما : أنها منسوخة حين نسخ حبس الزانية في قوله تعالى : فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا [ النساء : 15 ] . قال الشافعي : وما أشبه ما قيل بما قيل .

والثاني : أن الفاحشة المبينة هي النشوز في هذا الموضع ، قاله ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما ويجوز له مع النشوز أن يعضلها ويخالعها .

التالي السابق


الخدمات العلمية