الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تقرر ما وصفنا لم يخل حالهما في عقد الخلع من أحد قسمين : إما أن يتفقا في لفظ الخلع وإما أن يختلفا .

فأما القسم الأول وهو أن يتفقا في لفظ الخلع فعلى ثلاثة أقسام :

أحدها : أن تسأله بصريح الطلاق فيجيبها بمثله مثل أن تقول له : طلقني ثلاثا بألف ، فيقول لها : قد فارقتك .

أو تقول له : سرحني بألف ، فيقول لها : قد سرحتك فقد تم الخلع بطلبها وإيجابه ، ولا يسأل واحد منهما عن مراده .

وهكذا لو قالت له : طلقني ، فقال لها : قد فارقتك ، أو قالت له سرحني : فقال لها : قد طلقتك ، لأن جميع هذه الألفاظ صريحة يقوم كل واحد منها مقام الآخر فكان مماثلا في حكمه وإن خالفه في لفظه .

والقسم الثاني : أن تسأله بكناية الطلاق فيجيبها بمثله مثل أن تقول له أبني بألف أو أبني أو ابرأ مني أو حرمني أو أبعدني فيقول لها : قد أبنتك أو بنتك أو بارأتك أو حرمتك أو أبعدتك . [ ص: 33 ] وبأي هذه الألفاظ أجابها عن أي لفظة منها سألت بها كان مجيبا بمثلها في الحكم ، وإن خالفها في اللفظ ، لأن جميع ألفاظ الكناية مماثلة في الحكم ، وإن كانت مختلفة في اللفظ ، وإذا كان كذلك فألفاظ الكناية لا يقع بها الطلاق إلا مع النية فإن تجردت عن النية لم يقع بها طلاق ولم يكن لها حكم ، فيسأل الزوجان عن نيتهما فإنه لا يخلو حالهما فيه من أربعة أحوال :

أحدها : أن تريد الزوجة بسؤالها ويريد الزوج بإجابته الطلاق فيقع الطلاق ، ويتم الخلع ، وتقوم الكناية مع النية مقام الصريح في الطلب والإيجاب .

والحال الثانية : ألا يريد واحد منهما الطلاق فلا طلاق ولا خلع لا حكم للفظ الجاري بينهما في فرقة ولا عوض .

والحال الثالثة : أن تريد الزوجة الطلاق ولا يريده الزوج فلا طلاق وقد سألته ما لم يجبها إليه ، ولا يلزمها ما بذلت من العوض ، لأنه لم يحصل لها ما سألت من الطلاق ، فإن أكذبته وادعت إرادة الطلاق أحلفته ، ولا طلاق عليه ولا شيء عليها .

والحال الرابعة : أن يريد الزوج الطلاق ولا تريده الزوجة فيقال للزوج : هل علمت حين أردت الطلاق أن الزوجة لم ترد الطلاق ، فإن قال : نعم ، وقع طلاقه رجعيا ولا عوض له عليها ، وكأنه طلقها من غير طلبها ، وإن قال : ظننت أنها أرادت الطلاق ولم أعلم أنها لم ترده .

قيل له : أفتصدقها على أنها لم ترد الطلاق فإن صدقها لم يقع طلاقه ، لأنه طلق على شرط عوض لم يحصل فإذا لم يؤخذ الشرط لم يقع الطلاق ، وإن أكذبها وقال : بل أردت الطلاق وقع طلاقه بائنا لاعترافه بوقوعه ، وله إحلافها أنها لم ترد الطلاق ، فإذا حلفت فلا شيء عليها ، فإن نكلت ردت اليمين عليه ، فإذا حلف كان له عليها الألف التي صرحت بذكرها ، وحلف الزوج عليها .

والقسم الثالث : أن تسأله بلفظ الخلع فيجيبها بمثله مثل أن تقول : اخلعني بألف ، فقال : قد خالعتك أو تقول له : فادني بألف فيقول لها : قد فاديتك أو تقول له : اخلعني فيقول : قد خلعتك فكل ذلك سواء ، لأن لفظ الخلع والمفاداة صريحان متساويان في الحكم ، أما المفاداة فلورود القرآن بها وأما الخلع فلمعهود اللغة فيه .

وهذا القسم إنما يتميز عن القسمين الأولين إذا قيل إن لفظ الخلع والمفاداة فسخ ، ولو قيل : إنه طلاق أو كناية لدخل فيهما ولم يتميز عنهما ، وإذا كان كذلك فقد تم الخلع [ ص: 34 ] بينهما بلفظ الخلع ، ووقع به فسخ النكاح من غير أن ينقض به عدد الطلاق واستحق عليها الألف التي بذلها فلو كان حين سألته الخلع أجابها بالفسخ مثل أن تقول له : اخلعني بألف ، فقال لها : قد فسخت نكاحك ففيه وجهان :

أحدهما : أنه لا يصح ، لأنه ليس له أن يفسخ نكاحها إلا بعيب .

والوجه الثاني : يصح ذلك منهما ، ويكون فسخا يقوم مقام الخلع ، لأنه لما صح منه الخلع وكان فسخا أولى أن يصح منه بصريح الفسخ ، ويكون خلعا ، وهكذا لو قالت : افسخ نكاحي بألف ، فقال : قد فسخته ، كان على هذين الوجهين .

التالي السابق


الخدمات العلمية