الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما القسم الثاني في الأصل وهو أن يختلف لفظهما في عقد النكاح فهذا على ستة أقسام :

أحدها : أن تسأله بصريح الطلاق فيجيبها بكناية ، مثل أن تقول له : طلقني بألف ، فيقول لها : قد أبنتك أو حرمتك ، فإن لم يرد به الطلاق ، فلا خلع ، وإن أراد به الطلاق ففيه وجهان :

أحدهما ، وهو قول أبي علي بن خيران : لا يقع الطلاق ، لأنها سألته صريح الطلاق فعدل عنه إلى كنايته فلم يصر مجيبا إلى ما سألت .

والوجه الثاني : وهو الصحيح أن الطلاق واقع ، وله الألف لأن كناية الطلاق مع النية يقوم مقام صريح الطلاق بغير نية .

والقسم الثاني : أن تسأله بصريح الطلاق فيجيبها بالخلع ، كأنها قالت له : طلقني بألف فقال : قد خالعتك بألف .

فإن قيل : إن لفظ الخلع صريح في الطلاق فقد وقعت الفرقة واستحق البدل وصار كما لو أجابها بصريح عن صريح .

وإن قيل : إن الخلع كناية ، فهو على ما مضى من إجابته عن الصريح بالكناية .

وإن قيل : إن الخلع فسخ ، وعليه التفريع فيما نذكره من الأقسام كلها ليصح أن يكون مميزا بحكم مخصوص فعلى هذا في وقوع الفرقة به وجهان :

أحدهما : أن الفرقة قد وقعت ، لأن كلا اللفظين صريح في الفرقة .

والوجه الثاني : لا تقع به الفرقة ، ولا يكون جوابا إلى ما سألت ، لأنها سألته طلاقا ينقضي به ما ملكه عليها من عدد الطلاق فأجابها إلى فسخ لا ينقضي به عدد الطلاق ، فصار مجيبا إلى غير ما سألت ، فلم تقع به الفرقة ، ولم يستحق به البدل . [ ص: 35 ] والقسم الثالث : أن تسأله بكناية الطلاق فيجيبها بصريحه ، كأنها قالت له : أبني بألف ، فقال : قد طلقتك بها ، فإنها تسأل عن إرادتها دونه فإن أرادت الطلاق وقع الطلاق وله الألف ، لأن الصريح أقوى من الكناية ، وإن لم ترد الزوجة بالكناية الطلاق لم يقع الطلاق لعدم الشرط ولم يستحق البدل .

والقسم الرابع : تسأله بكناية الطلاق فيجيبها بالخلع كأنها قالت : أبني بألف ، فقال لها : قد خلعتك بها فإنها تسأل عن إرادتها بالكناية فإن لم ترد الطلاق ، فلا خلع ، وإن أرادت الطلاق ففي وقوع الفرقة بلفظ الخلع وجهان إذا قيل : إن الخلع فسخ كما لو سألته بصريح الطلاق فأجابها بالخلع .

والقسم الخامس : أن تسأله بالخلع فيجيبها بصريح الطلاق ، كأنها قالت له : اخلعني بألف ، فقال لها : أنت طالق بألف ، فالطلاق هاهنا واقع ، والألف مستحقة ، لأنها سألته بالخلع فرقة لا ينقص بها عدد الطلاق ، فأجابها بالطلاق الذي تقع به الفرقة وينقص بها عدد الطلاق فصار ما أجابها إليه أكثر مما سألته منه ، وخالف سؤالها للطلاق فيجيبها بالخلع ، لأن الخلع انقضى فلم يصر مجيبا إلى ما سألت .

والقسم السادس : أن تسأله بالخلع فيجيبها بكناية الطلاق كأنها قالت له : اخلعني بألف ، فقال لها : قد أبنتك بها ، فيسأل عن إرادته فإنه لا يخلو من ثلاثة أحوال :

أحدها : ألا يريد به الطلاق فيصير بالنية طلاقا ، فيقع الطلاق وتستحق الألف ، ويصير كأنها سألته الخلع ، فأجابها بالطلاق فيقع ، لأنه أغلظ .

والحال الثانية : أن يريد به فسخ الخلع فقد اختلف أصحابنا في كنايات الطلاق هل يصح أن يكون كناية في فسخ الخلع أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : لا يصح ، لأن الفسخ لا يتعلق بالصفة ، فلم يصح بالكناية ، فعلى هذا لا فرقة ولا بذل .

والوجه الثاني : أنه يصح ، ويكون كناية في الفسخ ، كما كان كناية في الطلاق ، فعلى هذا لو سألته بصريح الفسخ فأجابها بكناية فيكون وقوع الفرقة به على وجهين ، كما لو سألته بصريح الطلاق فأجابها بكناية .

والحال الثالثة : ألا يريد به طلاقا ولا فسخا فلا تقع به الفرقة ولا يتعلق به حكم والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية