الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " فإن قالت علي ألف ضمنها لك غيري أو على ألف فلس وأنكر تحالفا وكان له عليها مهر مثلها " . [ ص: 38 ] قال الماوردي : جمع الشافعي هاهنا بين مسألتين :

إحداهما : أن تقول الزوجة خالعتك على ألف فلس ، ويقول الزوج : بل خالعتك على ألف درهم ، فقد اتفقا على الخلع ، واختلفا في العوض ، فيتحالفان ويقع طلاقه بائنا ، ويحكم له عليها بمهر المثل ، على ما مضى .

وما أجاب به الشافعي من تحالفهما فيها صحيح .

وأما المسألة الثانية : فهو أن يقول الزوج : خالعتك على ألف درهم عليك ، فتقول : خالعتني على ألف درهم ضمنها لك غيري فهذا ثلاثة أقسام :

أحدها : أن تقول الزوجة قد خالعتك عليها لكن ضمنها لك فلان عني فلا تحالف بينهما ، لأن الضمان زيادة وثيقة لا تبرأ به المضمون عنه ، وله مطالبتها بالألف لأن لصاحب الحق مطالبة المضمون عنه ولا يكون الضمان مانعا من مطالبته فهذا القسم مما لا تحالف فيه على ما بيناه ولا يتناوله مراد الشافعي .

والقسم الثاني : أن تقول : خالعتني على ألف درهم لي في ذمة غيري ، ويقول الزوج : بل خالعتك على ألف درهم في ذمتك فقد اتفقا في هذا القسم على الخلع واختلفا في الألف ، فالزوج يدعي أنها ألف في ذمتها والزوجة تدعي أنها ألف في ذمة غيرها ، وما في ذمتها غير ما في ذمة غيرها ، وإن كانا جميعا في ملكها فصار ذلك كاختلافهما في العوض فيقول الزوج : خالعتك على هذا العبد ، فتقول الزوجة : بل خالعتني على هذا العبد الآخر فيتحالفان كذلك هاهنا ، لأن اختلاف الذمتين كاختلاف العبدين ويكون له مهر المثل في ذمتها ، ويجوز أن يكون هذا القسم هو الذي أراده الشافعي .

والقسم الثالث : أن يقول الزوج خالعتك على ألف درهم فتقول الزوجة بل خالعك فلان على ألف درهم عليه دوني ، فهذه مثل أن تكون قد خالعته بشيء ومقرة بغيرها بأنه خالع الزوج عنها فلا تحالف بينهما لأنها منكرة للعقد ، والتحالف إنما يكون مع الاعتراف بالعقد والاختلاف في صفة ، فيكون القول قولها مع يمينها ولا شيء عليها ، ولا يقبل قولها على الغير بأنه خالع الزوج عنها ، ويقع طلاق الزوج بائنا لأنه مقر بأنها بانت منه بألف قد استحقها .

فإن قيل : فإذا لم يحصل له الألف بالجحود فينبغي ألا يلزمه الطلاق بالإقرار ، كما لو ادعى أنه باع عبده على زيد بألف وأنكره زيد لم يزل ملكه عن العبد وإن اعترف ببيعه على زيد ، لأن الثمن لم يحصل به بجحود زيد .

قيل : الفرق بينهما أن البيع لا ينفك عن الثمن ، فإذا لم يحصل له الثمن لم [ ص: 39 ] يلزمه البيع ، والطلاق قد ينفك عن العوض ، فجاز أن يلزمه الطلاق ، وإن لم يحصل له العوض فهذه ثلاثة أقسام يختلف أحكامها في التحالف والعوض .

فالقسم الأول لا تحالف فيه ، ويستحق فيه العوض فلا يدخل فيما ذكره الشافعي من التحالف .

والقسم الثاني يتحالفان ويستحق فيه مهر المثل ويدخل فيما ذكره الشافعي من التحالف .

والقسم الثالث : لا يتحالفان فيه ولا يستحق فيه العوض ولا يدخل فيما ذكره الشافعي من التحالف والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية