الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولو قال أنت طالق إن أعطيتني ألف درهم فأعطته إياها زائدة فعليه طلقة لأنها أعطته ألف درهم وزيادة " .

قال الماوردي : وهذا صحيح إذا قال : إن أعطيتني ألف درهم فأنت طالق فقد ذكرنا إن أعطته الألف يكون على الفور في وقت الخيار ، وهو خيار الجواب ، لا خيار القبول ، فإذا أعطته الألف لم يخل حالها من ثلاثة أقسام :

أحدها : أن تعطيه ألفا كاملة من غير زيادة ولا نقصان ، فقد طلقت واحدة إن لم يرد الزوج بقوله : أنت طالق أكثر منها ، وسواء دفعت الألف إليه في دفعة واحدة أو في دفعات إذا كان دفع جميعها في وقت الخيار ، لأن دفع الألف قد وجد مع الافتراق .

والقسم الثاني : أن تدفع إليه أكثر من ألف ، كأنها دفعت إليه ألفين ، فإن دفعت الزيادة مفردة طلقت إجماعا ، وإن دفعت الزيادة مع الألف فقد ذهب بعض أهل العراق إلى أنها لا تطلق ، وتكون الزيادة معتبرة بصفة الشرط كالنقصان ، ولأنه لو قال : قد بعتك داري بألف فقال قد اشتريتها بألفين لم يصح ، وإن كانت الألف داخلة فيها فكذلك في الطلاق ، وهذا خطأ ، لأن وجود الصفة مع الزيادة لا تمنع من ثبوت حكمها من غير زيادة ، كما لو أعطته ألفا وعبدا طلقت ، ولا يمنع زيادة العبد من وقوع الطلاق لوجود الألف ، كذلك لا تمنع الزيادة على الألف من وقوع الطلاق ، لوجود الألف فأما النقصان فلا يقع به الطلاق ، لعدم الألف .

فأما الجواب عن البيع فالفرق بينهما أن الطلاق معلق بصفة فلم تمنع الزيادة عليها من ثبوت حكمها ، والبيع معاوضة تم بالقبول الموافق للبدل فافترقا فإذا تقرر وقوع الطلاق مع دفع الزيادة ، فلها استرجاع الزيادة ، ولا يملكها الزوج بالأخذ وإن ملك الألف إلا أن يقبضها بالهبة فيملكها بالهبة ويملك الألف بالخلع . [ ص: 43 ] والقسم الثالث : أن تدفع إليه أقل من ألف درهم فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يكون نقصانها في العدد دون الوزن كأنها دفعت إليه ألف درهم وازنة عددها أقل من ألف ، فالطلاق واقع لأن الطلاق بإطلاق الدراهم يتناول الوازنة دون المعدودة شرعا كالزكاة ، وعرفا كالبيع ، فصارت الصفة موجودة بكمال الوزن مع نقصان العدد فلذلك وقع الطلاق .

والضرب الثاني : أن تكون ناقصة الوزن كاملة العدد ، فلا طلاق ، لأن الصفة لم تكمل شرعا ولا عرفا ، إلا أن يكون ذلك في بلد جرت عادة أهله أن يتعاملوا فيه بالدراهم عددا لا وزنا ، فيقع الطلاق بكمال العدد مع نقصان الوزن تغليبا للعرف دون الشرع ، ولا تطلق مع هذا العرف بنقصان العدد مع كمال الوزن .

التالي السابق


الخدمات العلمية