الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولو خلعها على أن تكفل ولده عشر سنين فجائز إن اشترطا إذا مضى الحولان نفقته بعدهما في كل شهر كذا قمحا وكذا زيتا فإن كفى وإلا رجعت عليه بما يكفيه وإن مات رجع عليها بما بقي " .

قال الماوردي : وصورتها : في رجل خالع زوجته على أن تكفل ولده عشر سنين ترضعه منها حولين وتنفق عليه بعدهما تمام العشر ، فلابد بعد ذكر الرضاع من ذكر جنس النفقة ونوعها وصفتها وقدرها وأجلها ، فيقول : على أن تطعميه في كل يوم من الحنطة العراقية الصافية كذا ، ومن الزيت الشامي كذا ، ومن السكر الفارد كذا ، ومن العسل الأبيض كذا ، وإن شرط عليها مع النفقة كسوته قال : على أن تكسوه في أول كل سنة كسوة الصيف من الكتان التوزي المرتفع ثوبا طوله كذا ذراعا في عرض كذا شبرا يقطع له منه قميصين وخمس أذرع من منير البغدادي المرتفع في عرض كذا شبرا يقطع له منه سراويل ومنديل من قصب مصر طوله كذا ذراعا ، في عرض كذا شبرا صفته كذا ، وفي أول النصف الثاني من السنة كسوة الشتاء من الخز ثوبا مرتفعا من خز الكوفة أو السندس طوله كذا ذراعا في عرض كذا شبرا يقطعه جبة ، ومن الحرير الفلاني كذا ذراعا في عرض كذا شبرا ، يقطعه قميصا ، فإذا استوفى صفة كل ما أوجبه عليها ونفقته وكسوته جنسا ونوعا وصفة وقدرا وصار معلوما ينتفي عنه الجهالة ومعلوم الأجل غير مجهول المدة كالموصوف في السلم ليصح به الخلع فهذه المسألة مبنية على ثلاثة أصول في كل أصل منها قولان :

أحد الأصول : أن العقد الواحد إذا جمع شيئين مختلفي الحكم كبيع وإجارة كان على قولين وإن كان العقد قد جمع إجارة ورضاعا وسلما في طعام فاقتضى أن يكون على قولين . [ ص: 52 ] والأصل الثاني : أن عقد السلم في جنسين بثمن واحد يكون على قولين ، وهذا سلم في أجناس فاقتضى أن يكون على قولين .

والأصل الثالث : أن عقد السلم إلى أجلين يكون على قولين ، وهذا أسلم إلى آجال فاقتضى أن يكون على قولين ، واختلف أصحابنا في جواب هذه المسألة لاختلاف القولين في هذه الأصول الثلاثة فكان بعضهم يخرجها على قولين كالأصول الثلاثة :

أحدها : أن الخلع باطل .

والقول الثاني : أنه جائز وهو المنصوص عليه في هذا الموضع ، وقال أبو إسحاق المروزي وأبو حامد المروزي وكثير من أصحابنا أن هذا الخلع يصح قولا واحدا ، وإن كان مبنيا على أصول هي على قولين لاختصاص الخلع بثلاثة معان يفارق بها أصوله :

أحدها : أن النفقة هاهنا تبع للرضاع ، وقد يخفف حكم التبع عن حكم الانفراد كما يجوز بيع ما لم يؤبر من الثمرة تبعا لنخلها ، ولا يجوز بيعها بانفرادها ، وكما يجوز بيع الحمل تبعا للأمة ، ولا يجوز بيعه مفردا عنها .

والثاني : أن الضرورة دعت إلى الجمع بين هذه الأجناس بعقد واحد ، لأن عقد الخلع إذا أفرد بأحدهما لم يصح بعده عقد خلع آخر فدعت الضرورة إلى جمعه في عقد واحد ، وليس كذلك غيره من العقود .

والثالث : أن عقد الخلع مفاداة قصد بها استنقاذهما من معصية فكان حكمه أوسع من سائر العقود كما وسع في جوازه عقده على الصفات التي لا يجوز مثلها في عقود البياعات .

التالي السابق


الخدمات العلمية