الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تقرر فالكلام بعد ذلك يشتمل على ثلاثة فصول : أحدها : في لفظ القنوت

والثاني : في هيئته

والثالث : في محله

فأما الفصل الأول : في لفظ القنوت فقد اختار الشافعي قنوت الحسن ، وهو ما رواه يزيد بن أبي مريم عن أبي الحوراء قال : قال الحسن بن علي كرم الله وجهه علمني رسول [ ص: 153 ] الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في القنوت : " اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، إنك تقضي ولا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، تباركت وتعاليت " . فهذا القنوت الذي اختار الشافعي به في قنوت الصبح وفي الوتر في النصف الأخير من شهر رمضان

قال الشافعي : " ولو قنت بسورتي أبي كان جيدا : اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونؤمن بك ، ونثني عليك الخير نشكرك ، ولا نكفرك ، ونخلع ونترك من يهجرك . عند أبي بن كعب سورة ، والثابت : اللهم إياك نعبد ، ولك نصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد ، نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكافرين ملحق - بكسر الحاء - بمعنى : لاحق

قال الأصمعي : لا يجوز غيره وحكاه عن أبي عبيدة . وكان أبي يعتقد أنهما سورتان من القرآن ، فإن جمع بين قنوت الحسن بن علي ، رضي الله عنه ، وسورتي أبي كان حسنا ، وإن تقرر أحدهما فقنوت الحسن بن علي أولى

وروى عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن علي ، رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره : اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك

وروي عن بعض التابعين أنه كان يقول في القنوت : اللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشيدا تعز فيه وليك ، وتذل فيه عدوك ، ويعمل فيه بطاعتك ، وينهى عن معصيتك فإن قنت بهذا جاز ، والمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت أحب إلينا من غيره ، وأي شيء قنت من الدعاء المأثور وغيره أجزأه عن قنوته ، فأما إذا قرأ آية من القرآن ينوي بها القنوت فذلك ضربان :

أحدهما : أن تكون الآية دعاء ، أو تشبه الدعاء كآخر سورة البقرة : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [ البقرة : 286 ] . إلى آخره أو ما في معناها ، وهذا يجزئ عن قنوته

والثاني : أن يقرأ بما لا يتضمن معنى الدعاء كآية الدين ، وسورة تبت يدا أبي لهب ففيه وجهان :

أحدهما : يجزئه إذا نوى به القنوت ، لأن القرآن أشرف من الدعاء

[ ص: 154 ] والوجه الثاني : لا يجزئه ، لأن القنوت دعاء وهذا ليس بدعاء

التالي السابق


الخدمات العلمية