الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولو قالتا طلقنا بألف ثم ارتدتا فطلقهما بعد الردة وقف الطلاق فإن رجعتا في العدة لزمهما والعدة من يوم الطلاق وإن لم يرجعا حتى انقضت العدة لم يلزمهما شيء " .

قال الماوردي : وهذا صحيح ، إذا كان له زوجتان فقالتا له طلقنا بألف ، فمن تمام هذا الطلب منهما أن يكون طلاقه على الفور جوابا لهما ، لأنها إجابة يراعى فيها الفور ، وإن لم يطلقهما حتى تراخى الزمان ، بطل حكم الطلب ، وصار مبتدئا بالطلاق من غير طلب تقدم ، فإن لم يشرط فيه العوض بل قال : أنتما طالقتان وقع الطلاق رجعيا سواء قبلتاه أم لا ، وسواء بذلتا عليه عوضا أم لا ، لأنه طلاق مجرد عن غير عوض فيه ، أو طلب تقدمه ، ويكون ما بذلتاه من العوض بعده هبة منهما يراعى فيها حكم الهبات ولا يرتفع بها الرجعة ، وإن شرط فيه العوض فقال : أنتما طالقتان على ألف فإن قبلتا ذلك منه في الحال وقع الطلاق بائنا بالبذل والقبول ، فاستحق فيه البدل ، وإن لم يقبلاه لم يقع ، لأنه مقيد بشرط لم يوجد ، فإذا ثبتت هذه الجملة وسألتاه أن يطلقهما على الألف فلا يخلو حاله من ثلاثة أقسام : [ ص: 76 ] أحدها : أن يطلقهما معا في الحال فقد أجابهما إلى ما سألتاه ووقع طلاقهما بائنا ثم لا تخلو حالهما في الألف من أحد أمرين : إما أن يبينا ما على كل واحدة منهما من الألف ، وإما أن يطلقاه ، فإن بينتاه من تساو أو تفاضل فجعلتا الألف بينهما نصفين أو التزمت من الألف بمائة والأخرى تسعمائة صح العوض ، ولزم كل واحدة منهما ما سمته من الألف ، وإن أطلقتا الألف بينهما ولم يفصلا ما يخص كل واحدة منهما ففيه قولان كمن أصدق زوجتين ألفا في عقد واحد ، ولم يفصل مهر كل واحدة من الألف :

أحدهما : أن الخلع بالألف باطل ، إذا قيل : إن الصداق باطل ، لأن قسط كل واحدة منهما من الألف مجهول ، فيكون له على كل واحدة منهما في الخلع مهر مثلها كما كان لكل واحدة منهما عليه في الصداق مهر مثلها .

والقول الثاني : أن الخلع بالألف صحيح ، وإذا قيل : إن الصداق صحيح ، لأن ما جمعته الصفقة من الأعيان المختلفة ، يسقط البدل فيه على القيم كمن اشترى عبدين بألف فعلى هذا يقسط الألف بينهما في الخلع على مهور أمثالهما فيلزم كل واحدة منهما من الألف قسطها من مهر المثل ، كما قسطت الألف بينهما في الصداق على مهور أمثالهما ، فكان لكل واحدة منهما من الألف بقسطها من مهر المثل .

ومثال ذلك : أن يكون مهر مثل إحداهما ألفا ، ومهر الأخرى خمسمائة ، فتكون الألف بينهما أثلاثا يخص التي مهر مثلها ألف ثلثا الألف ، والتي مهر مثلها خمسمائة ثلث الألف فهذا حكم القسم الأول إذا طلقهما في الحال .

والقسم الثاني : أن يطلق إحداهما في الحال ، دون الأخرى فقد طلقت بائنا ، وعليها من الألف إن سمت شيئا ما سمته وإن لم تسم شيئا كان على القولين :

أحدهما : مهر مثلها .

والثاني : بقسطه من الألف .

فأما الأخرى فلا طلاق عليها ولا شيء له .

والقسم الثالث : ألا يطلقهما في الحال فلا طلاق ولا عوض ، فإن استأنف طلاقا كان كالمبتدئ فيكون على ما قدمناه .

التالي السابق


الخدمات العلمية