الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " ولا فرق بين الرجال ، والنساء في عمل الصلاة إلا أن المرأة يستحب لها أن تضم بعضها إلى بعض ، وأن تلصق بطنها بفخذيها في السجود كأستر ما يكون وأحب ذلك لها في الركوع ، وجميعه تكثف جلبابها وتجافيه راكعة وساجدة : لئلا تصفها ثيابها وأن تخفض صوتها "

قال الماوردي : وهذا صحيح

[ ص: 162 ] قد ذكرنا أفعال الصلاة وصوابها من الواجبات والمسنونات والهيئات ، والمرأة كالرجل في واجبها ومسنونها ، وهيئاتها إلا في شيئين :

أحدهما : قدر ستر العورة ويأتي ذكره وتفصيله

والثاني : هيئات وهي نوعان :

أحدهما : هيئات أقوال

والثاني : هيئات أفعال

وإنما هيئات الأقوال فثلاثة :

أحدها : ترك الأذان وخفض الأصوات بالإقامة

والثانية : الإسرار بالقراءة في صلاة الجهر ، والإسرار في جماعة وفرادى

والثالث : أن يصفقن لما ينوبهن في الصلاة بدلا من تسبيح الرجال ، وإنما خالفن الرجال في هيئات الأقوال وترك الجهر بها لقوله صلى الله عليه وسلم : من نابه شيء في صلاته فليسبح وإنما التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ولأن صوتهن عورة ، وربما افتتن سامعه ، ولذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصغي الرجل إلى حديث امرأة لا يملكها وإن كان من وراء جدار ، فإن زيغ القلب ممحقة للأعمال ، وقد قال الشاعر :


لو يسمعون كما سمعت حديثها خروا لعزة ركعا وسجودا

فجعل سماع الكلام كمشاهدة الأجسام في الافتتان به والميل إليه ، وأما هيئات الأفعال فضربان ، ضرب في أعمال الصلاة ، وضرب في محل الصلاة ، فأما التي في عمل الصلاة فثلاثة :

أحدها : كثافة جلبابهن ، والزيادة في لبس ما هو أستر لها من السراويل ، وخمار ، وقميص ، وإزار ، واعتماد لبس ما جفا من الثياب لقوله تعالى : ياأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين [ الأحزاب : 159 ]

والثانية : أن يجتمعن في ركوعهن وسجودهن ولا يتجافين ، لأن ذلك أستر لهن وأبلغ في صيانتهن

والثالث : أنهن إن صلين قعودا جلسن متربعات ، وأما التي في محل الصلاة فأربعة :

[ ص: 163 ] أحدها : من السنة لهن الصلاة في بيوتهن دون المساجد لقوله صلى الله عليه وسلم : صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في مسجدها

والثانية : أنهن إذا صلين جماعة وقف الإمام منهن وسطهن ولم يجز له التقدم عليهن كالرجل

والثالثة : أن المرأة إذا ائتمت وحدها برجل وقفت خلفه ، ولم تقف إلى يمينه كالرجل

والرابعة : أنهن إذا صلين مع الرجل جماعة فأواخر الصفوف لهن أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم : خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ، وخير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها

فهذه الهيئات التي يقع الفرق فيها بين الرجال والنساء في الصلاة ، فإن خالفن هيئاتهن وتابعن الرجال فقد أسأن ، وصلاتهن مجزئة فأما ما يبطل الصلاة ، أو يوجب سجود السهو فالرجال والنساء فيه سواء لا فرق بينهما في شيء منه - والله تعالى أعلم -

التالي السابق


الخدمات العلمية