الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا قلنا بالأول أن الكتابة ليست صريحا ولا كناية ، فلا يقع بها الطلاق وإن نواه من حاضر ولا غائب ، وكذلك العتق ، فإن قلنا بالثاني في أن الكتابة كناية يقع بها الطلاق إذا اقترنت بالنية ، ولا يقع بها الطلاق إذا تجردت عن النية ، فكذلك العتق ، ويصح بها الطلاق والعتاق من الغائب ، وهل يصح من الحاضر أم لا ؟ فيه وجهان :

أحدهما : يصح من الحاضر كما يصح من الغائب ، لأن كنايات الطلاق والعتاق من الحاضر والغائب سواء ، فكذلك الكتابة .

والوجه الثاني : أنه لا يصح بها الطلاق والعتاق ، من الحاضر والغائب لأمرين :

أحدهما : أنها من الغائب ضرورة كإشارة الأخرس ، ومن الحاضر غير ضرورة كإشارة الناطق .

والثاني : أنها مستعملة في عرف الغائب ، وغير مستعملة في عرف الحاضر ، فأما [ ص: 169 ] الظهار بالكتابة فهو كالطلاق على قولين ، وأما الإيلاء بالكتابة فلا يصح قولا واحدا ، لأن الإيلاء يمين بالله تعالى لا ينعقد بالكناية ، وأما عقد البيع والإجابة بالكتابة ، فإن قيل إن الطلاق لا يقع بهما ولا يكون كناية فيه فأولى ألا ينعقد بها بيع ولا إجارة ، وإن قيل : إن الطلاق يقع بها ، وإنها كناية فيه ، ففي عقد البيع والإجارة بهما وجهان ، من اختلاف أصحابنا في عقد البيع والإجارة بصريح العقد وكنايته على وجهين :

أحدهما : لا تصح بالكتابة ، إذا قيل إنه لا تصح بالكنايات .

والوجه الثاني : أنه تصح بالكتابة إذا قيل إنه تصح بالكنايات .

وقد حكى أبو حامد المروزي : أنه وجد نصا عن الشافعي ، أنه إذا كتب إلى رجل في بلد أني قد بعتك داري فيه بكذا صح البيع ، إذا قبله المكاتب إليه ، وكان له الخيار ما لم يفارق مجلسه . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية