الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " فإذا كتب إذا جاءك كتابي فحتى يأتيها " .

قال الماوردي : وإذ قد مضى الكلام ، حكم الكتابة بالطلاق أنها ليست صريحة فيه ، وفي كونها كناية قولان ، فلا يخلو حال من كتب بطلاق زوجته من ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يقترن بكتابته لفظ .

والثاني : أن يقترن بها نية .

والثالث : أن تتجرد عن لفظ ونية ، فإن قارنها لفظ ، وقع الطلاق ، لأن اللفظ لو تجرد عن الكتابة وقع به الطلاق ، فإذا انضم إلى الكتابة فأولى أن يقع به ، وإن قارنها نية الطلاق ، ففي وقوع الطلاق بها قولان ، إن قيل كناية وقع الطلاق ، وإن قيل ليست كناية لم يقع ، وإن تجردت الكتابة عن قول ونية لم يقع بها الطلاق ، لأنه يحتمل أن يكون كتب حاكيا عن غيره ، أو مجربا لخطه ، أو مرهبا لزوجته ، فإذا تقرر ما وصفنا ، فصورة هذه المسألة أن يكتب إلى زوجته إذا جاءك كتابي هذا فأنت طالق ، إما مع لفظ اقترن به فكان طلاقا قولا واحدا وإما مع نية اقترنت بخطه ، فكان طلاقا في أصح القولين ، وعليه تفرع جميع هذه المسائل ، فهو طلاق معلق بصفة ، وهو مجيء الكتاب إليها ، فإن لم يجئها الكتاب لم تطلق فإن تأخر لهلاكه فقد بطلت صفة طلاقها ، فهو غير منتظر سواء كان هلاكه بسبب منها أو من غيره ، وإن تأخر مع بقائه فالصفة باقية ، وتعليق الطلاق بها منتظر لمجيء الكتاب إليها ، لم يخل حاله من ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يكون سليما ، فالطلاق واقع سواء قرأته أو لم تقرأه ، لأنه علق طلاقها بمجيئه لا بقراءته ، ولو كان كتب إذا جاءك كتاب وقرأتيه لم تطلق لمجيئه حتى [ ص: 170 ] تقرأه ، فإن قرأ عليها لم تطلق ، إن كانت تحسن القراءة ، وطلقت إن كانت لا تحسنها اعتبارا بالعرف .

والقسم الثاني : أن يصل الكتاب ممحو الكتابة ، فلا طلاق ، لأن الكتاب هو المكتوب وما لا كتابة فيه فهو كأخذ وليس بكتاب ، سواء كان هو الماحي له أو غيره ، ولكن لو تطلست كتابته ولم تمح ، نظر فإن كان مفهوم القراءة طلقت ، وإن كان غير مفهوم لم تطلق .

والقسم الثالث : أن يصل الكتاب وقد ذهب بعضه ، فإن كان الذاهب منه موضع طلاقها لم تطلق ، لأن مقصوده لم يصل ، وإن كان موضع طلاقها باقيا والذاهب من غيره ، فقد اختلف أصحابنا في وقوع طلاقها به على أربعة أوجه :

أحدها : لا تطلق سواء كان الذاهب منه مكتوبا أو غير مكتوب ، لأن الواصل منه بعضه .

والوجه الثاني : أنها تطلق ، سواء كان الذاهب مكتوبا أو غير مكتوب ، لأن المقصود منه هو لفظ الطلاق واصل .

والوجه الثالث : إن كان الذاهب من المكتوب لم تطلق ، لأنه بعض الكتاب وإن كان الذاهب من غير المكتوب طلقت ، لأن المكتوب هو جميع الكتاب .

والوجه الرابع : إن وصل أكثره طلقت ، وإن وصل أقله لم تطلق اعتبارا بالأغلب .

التالي السابق


الخدمات العلمية