الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تكررت هذه الجملة فللمرأة حالان ، حال عورة ، وحال إباحة ، فأما حال الإباحة فمع زوجها فليس بينهما عورة وله النظر إلى سائر بدنها

واختلف أصحابنا هل له النظر إلى فرجها ؟ على وجهين :

أحدهما : وهو قول أبي عبد الله الزبيري : لا يجوز له النظر إلى فرجها ، ولا لها النظر إلى فرجه : لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لعن الله الناظر والمنظور إليه

والوجه الثاني : يجوز له النظر إلى فرجها ، ويجوز لها النظر إلى فرجه لقوله تعالى : هن لباس لكم وأنتم لباس لهن [ البقرة : 187 ] ، ولأنه قد استباح جملتها بعقد النكاح وفرجها هو المقصود بالاستمتاع فلم يجز أن يكون الاستمتاع به أقل من الاستمتاع بغيره ، ولو تنزه عن ذلك كان أولى

وأما العورة فضربان صغرى وكبرى ، فأما الكبرى فجميع البدن إلا الوجه والكفان ، وأما الصغرى فما بين السرة والركبة وما يلزمها ستر هاتين العورتين من أجله على ثلاثة أضرب :

أحدها : أن يلزمها ستر العورة الكبرى ، وذلك في ثلاثة أحوال :

أحدها : في الصلاة وقد مضى حكمها

والثاني : مع الرجال الأجانب ، ولا فرق بين مسلمهم ، وكافرهم ، وحرهم ، وعبدهم ، وعفيفهم ، وفاسقهم ، وعاقلهم ، ومجنونهم في إيجاب ستر العورة الكبرى من جميعهم

والثالث : مع الخناثى المشكلين ، لأن جملة المرأة عورة فلا يستباح النظر إلى بعضها بالشك

والقسم الثاني : ما يلزمها ستر العورة الصغرى وذلك مع ثلاثة أصناف أحدها مع النساء كلهن ، ولا فرق بين البعيدة والقريبة ، والحرة والأمة ، والمسلمة والذمية

[ ص: 171 ] والثاني : مع الرجال من ذوي محارمها كابنها ، وأبيها ، وأخيها ، وعمها من نسب أو رضاع

والثالث : مع الصبيان الذين لم يبلغوا الحلم ، ولا تحركت عليهم الشهوة

والقسم الثالث : مختلف فيه وهم ثلاثة أصناف :

أحدها : عبيدها المملوكون فاختلف أصحابنا في عورتها معهم على ثلاثة مذاهب :

أحدها : العورة الكبرى كالأجانب وبه قال أبو إسحاق المروزي ، وأبو سعيد الإصطخري لقوله تعالى : ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم [ النور : 58 ]

والثاني : العورة الصغرى كذي الرحم وبه قال أبو علي بن أبي هريرة ، وقد حكي نحوه عن أبي العباس لقوله تعالى : ما ملكت أيمانهن [ النور : 31 ]

والثالث : وهو تقريب أنها تبرز إليهم وهي فضل بارزة الذراعين والساقين ، لكن لم يختلف أصحابنا أنه لا يلزمهم الاستئذان إلا في وقت مخصوص بخلاف الحر ، فأما عبدها الذي نصفه حر ونصفه مملوك فعليها ستر عورتها الكبرى منه لا يختلف أصحابنا فيه

والصنف الثاني : الشيوخ المسنون الذين قد عدموا الشهوة وفارقوا اللذة ففي عورتها معهم وجهان :

أحدهما : الكبرى كالرجال الأجانب

والثاني : الصغرى كالصبيان

والصنف الثالث : المجبوبون دون المخصيين ففي عورتها معهم وجهان :

أحدهما : الكبرى كغيرهم من الرجال

والثاني : الصغرى كالصبيان لقوله تعالى : غير أولي الإربة من الرجال فأما العنين والمأيوس من جماعة كالخصي والمؤنث المتشبه بالنساء فكل هؤلاء كغيرهم من الرجال في حكم العورة منهم ولهم

التالي السابق


الخدمات العلمية