الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولو قال لها أنت طالق الشهر الماضي طلقت مكانها وإيقاعه الطلاق الآن في وقت مضى محال " .

قال الماوردي : اعلم أن قوله لها : أنت طالق الشهر الماضي ، وأنت طالق أمس ، ينقسم ثلاثة أقسام :

أحدها : أنه يريد بذلك أنه يطلقها في الشهر الماضي طلاقا يوقعه الآن فهذا محال ، ولا طلاق عليه ، لأن ما مضى من النهار غير مستدرك .

والقسم الثاني : أن يريد بذلك أنه يطلقها الآن طلاقا يقع عليها في الشهر الماضي ، فالطلاق واقع ، والفرق بينهما أنه في هذا القسم ، وقوع الطلاق في الوقت فوقع ، ولم يرد في القسم الأول وقوع الطلاق في الوقت فلم يقع ، وإذا وقع الطلاق في هذا القسم فهو واقع لوقته ، ولا يتقدم حكمه في الشهر الماضي .

وقال أبو حنيفة : هو متقدم الحكم ، فيكون واقعا للشهر الماضي ، استدلالا بأنه لو علقه بوقت مستقبل لم يتقدمه ، فوجب إذا علقه بوقت ماض ألا يتأخر عنه ، وهذا فاسد ، لأن الطلاق إذا علق بشرط صح في المستقبل ، ولم يصح في الماضي ، لأنه يصح إيجاد الفعل فيما يستقبل ولا يصح إيجاده فيما مضى ، ولذلك صح الأمر ، في الأفعال المستقبلة دون الماضية ، وصار منها خبرا ، ولم يكن أمرا .

والقسم الثالث : أن يقول ذلك ولا إرادة له ، والذي نص عليه الشافعي في كتاب [ ص: 199 ] الأم ، ونقله المزني إلى هذا الموضع ، أن الطلاق واقع ، لأنه أوقع الطلاق على صفة مستحيلة ، فوقع الطلاق وألغيت الصفة ، كما لو قال لمن لا سنة في طلاقها ولا بدعة أنت للسنة أو للبدعة طلقت في الحال من غير اعتبار سنة ولا بدعة .

قال الربيع : وفيها قول آخر : أنه لا طلاق عليه ، واختلف أصحابنا فيه ، فكان أبو علي بن خيران يجعله قولا ثانيا للشافعي تعليلا بأن تعليق الطلاق بالصفات المستحيلة لا يوجب وقوعه وإلغاء الصفة ، كما لو قال : أنت طالق إن صعدت السماء ، أو شربت ماء البحر لم يقع الطلاق عليها لاستحالة صعود السماء وشرب ماء البحر كذلك قوله أنت طالق في الشهر الماضي لا يجب وقوعه في الحال لاستحالة وقوعه في الشهر الماضي .

وذهب سائر أصحابنا إلى أنه مذهب للربيع ، وليس بقول للشافعي ، وفرقوا بين المسألتين أن استحالة صعود السماء وشرب ماء البحر ، لأنه بخلاف العادة لا أنه غير داخل في القدرة ، فلذلك صار صفة معتبرة لا يقع الطلاق بإلغائها ، وإيقاع الطلاق الحادث في الزمان الماضي مستحيل لخروجه عن القدرة ، فصارت الصفة فيه ملغاة ، والطلاق فيه واقعا ، على أن من أصحابنا من جمع بين المسألتين وأوقع الطلاق ، إذا علقه بصعود السماء وشرب ماء البحر ، لاستحالته كما إذا علقه بالشهر الماضي ، والصحيح ألا يقع ، وإن كان بينهما فرق فهو ما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية