الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإذا كان له أربع زوجات فقال : كلما ولدت واحدة منكن فصواحبها طوالق ، فولدن جميعا ، فهذا ينقسم ثلاثة أقسام نبين به حكم ما زاد عليها .

أحد الأقسام : أن يلدن معا في حال واحدة ، فتطلق كل واحدة منهن ثلاثا ثلاثا ويعتد بالأقراء ، لأن لكل واحدة ثلاث صواحب ، يقع عليها بولادة كل واحدة منهن طلقة ولذلك طلقت كل واحدة منهن ثلاثا بولادة صواحبها الثلاث ، واعتددن بالأقراء ، لوقوع الطلاق عليهن بعد الولادة ، وأول عددهن طهرهن بعد انقضاء النفاس .

والقسم الثاني : أن يلدن جميعا واحدة بعد واحدة ، فقد اختلف أصحابنا فيما يقع عليهن من عدد الطلاق على وجهين :

أحدهما : وهو قول أبي بكر بن الحداد المصري ، ذكره في فروعه ، وتابعه عليه طائفة من أصحابنا أن الأولى تطلق ثلاثا ، وتنقضي عدتها بالأقراء ، والثانية تطلق واحدة وتنقضي عدتها بالولادة ، والثالثة تطلق طلقتين وتنقضي عدتها بالولادة والرابعة تطلق ثلاثا وتنقضي عدتها بالولادة .

وإنما كان كذلك ، لأن الأولى إذا ولدت طلق كل واحدة من الثلاث واحدة واحدة ولم تطلق الأولى ، لأن ولادة كل واحدة صفة في وقوع الطلاق على غيرها ، [ ص: 204 ] وليس بصفة في وقوع الطلاق عليها فإذا ولدت الثانية ، بانت بولادتها لوقوع الطلقة الأولى عليها ، وطلقت بها الأولى واحدة ، وطلقت بها الثالثة طلقة ثانية ، وطلقت بها :

فإذا ولدت الثالثة طلقت بها الأولى ثانية ، ولم تطلق بها الثانية لانقضاء عدتها بالولادة ، وطلقت بها الرابعة ثالثة ، وانقضت عدتها بالولادة ، بعد وقوع طلقتين عليها .

فإذا ولدت الرابعة ، طلقت بها الأولى طلقة ثالثة ، ولم تطلق بها الثانية والثالثة لانقضاء عددهما وانقضت عدتها بالولادة .

والوجه الثاني : وهو قول أبي العباس بن القاص ، ذكره في " تلخيصه " - ولم يساعده عليه من يعتد بقوله - أن الأولى لا يقع عليها طلاق وتطلق كل واحدة من الثلاث تطليقة ، لأن الأولى إذا ولدت لم يقع عليها بولادتها طلاق ، ووقع على كل واحدة من الثلاث تطليقة ، فإذا ولدت الثانية انقضت عدتها بولادتها ولم تطلق بها غيرها ، لأنها بالبينونة خرجت عن أن تكون صاحبة لهن ، وخرجن ببقائهن في العدة أن يكن صواحب لها ، فلم يوجد شرط الطلاق منهن فلم يطلقن .

وكذلك إذا ولدت الثالثة انقضت عدتها ، ولم يطلق بها غيرها لهذا المعنى وكذلك الرابعة ، والأصح عندي من إطلاق هذين الوجهين أن يرجع إلى إرادة الزوج بقوله كلما ولدت واحدة منكن فصواحبها طوالق .

فإن أراد الشرط ، فالجواب على ما قاله ابن القاص ، وإن أراد به التعريف فالجواب على ما قاله ابن الحداد ، وإن لم يكن له إرادة ، أو فات الرجوع إلى إرادته بالموت ، كان محمولا على التعريف دون الشرط ، لأن الشروط عقود لا تثبت بالاحتمال والجواز .

والقسم الثالث : أن تلد اثنتان منهن في حال معا ، ثم تلد بعدهما اثنتان في حال معا .

فالجواب على قول أبي بكر بن الحداد أن كل واحدة من الأولتين تطلق ثلاثا ثلاثا وتنقضي عدتها بالأقراء ، وكل واحدة من الآخرتين تطلق تطليقتين وتنقضي عدتهما بالولادة : لأن الأولتين إذا ولدتا طلقت كل واحدة منهما تطليقة ، بولادة صاحبتها ولم تطلق بولادة نفسها . وطلقت كل واحدة من الآخرتين تطليقتين ، بولادة كل واحدة من الأولتين ، فإذا ولدت كل واحدة من الآخرتين ، لم تطلق واحدة بولادة صاحبتها ، لانقضاء عدتها بولادتهما وطلقت كل واحدة من الأولتين طلقتين بولادة الآخرتين ، فاستكمل طلاق الأولتين ثلاثا ووقع على الآخرتين تطليقتان . [ ص: 205 ] والجواب على قول أبي العباس : أن كل واحدة من الأولتين تطلق واحدة واحدة بولادة صاحبتها . وكل واحدة من الآخرتين تطلق تطليقتين بولادة الأولتين .

ولا تطلق الأولتان بولادة الآخرتين : لأنهما قد خرجتا بانقضاء العدة بالولادة ، من أن تكونا صاحبتين للأولتين .

التالي السابق


الخدمات العلمية