الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما القسم الثالث : وهو أن يدخل على الألفاظ السبعة ، لم الموضوعة للنفي ، فتنقسم أيضا قسمين : [ ص: 210 ] أحدهما : وهو خمسة ألفاظ تصير بدخول لم عليها ، موجبة للفور ، وإن كانت قبل دخولها موجبة للتراخي ، وهي متى ، ومتى ما ، وأي وقت ، وأي زمان ، وأي حين ، فإذا قال : متى لم تدخلي الدار ، فأنت طالق أو متى ما لم تدخلي الدار ، أو أي وقت لم تدخلي ، أو أي زمان لم تدخلي أو أي حين لم تدخلي الدار ، فأنت طالق فإنها تكون على الفور فمتى مر عليها بعد هذا القول زمان يمكن دخول الدار فيه فلم تدخل طلقت ، وإنما اختلف حكمها بدخول لم عليها : لأن إذا تجردت عن لم ، فالطلاق مشروط بوجود الصفة .

ففي أي زمان وجدت وقع بها الطلاق ، فصارت على التراخي ، وإذا أدخل عليها لم الموضوعة للنفي ، صار الطلاق مشروطا بعدم الصفة ، وهي معدومة في أول زمان المكنة ، فلذلك صارت على الفور ووقع الطلاق .

والقسم الثاني : وهما للفظتان : إن وإذا ، إذا دخل عليهما لم الموضوعة للنفي ، فالذي نص عليه الشافعي ، ونقله المزني هاهنا ، أنه إذا قال : أنت طالق إذا لم أطلقك ، أو متى ما لم أطلقك فسكت مدة يمكنه فيها الطلاق ، طلقت فحصل ذلك على الفور ، ولو كان قال : إن لم أطلقك لم يحنث حتى يعلم أنه لا يطلقها بموته ، أو موتها فجعل ذلك على التراخي ، وفرق بين إذا وإن ، فلا وجه لتسوية أبي علي بن أبي هريرة بينهما ، لمخالفة النص وظهور الفرق .

وأما أبو حنيفة : سوى بين إذا وإن ، في هذا الموضع في أنها على التراخي ، لا يقع طلاق الحنث إلا أن يفوت طلاق المباشرة بالموت فجعل حكم إذا عنده كحكم إن عندنا .

وما قاله الشافعي من أن إذا في هذا الموضع على الفور وإن على التراخي . والفرق بينهما من ثلاثة أوجه :

أحدها : وهو فرق أبي حامد المروزي أن إذا موضع لليقين والتحقيق وإن موضع للشك والتوهم لأنه يحسن أن يقال : إذا جاء يوم الجمعة جئتك ، ولا يحسن أن يقال :

إن جاء يوم الجمعة جئتك : لأن مجيء يوم الجمعة يقين وليس بمشكوك فيه ، ويحسن أن يقال إن جاء المطر في يوم الجمعة أقمت ، ولا يحسن أن يقال : إذا جاء المطر في يوم الجمعة أقمت : لأن مجيء المطر فيه شك وتوهم ليس بيقين ، ولذلك قال : إذا الشمس كورت [ التكوير : 1 ] لأن تكويرها يقين ، فلما كان إذا مستعملا في اليقين والتحقيق ، فإذا مضى زمان المكنة ، استقر حكمه ، فصار على الفور ، ولما كان إن مستعملا في الشك والتوهم ، لم يستقر حكمه إلا بالفوات ، فصار على التراخي . [ ص: 211 ] والفرق الثاني : وهو فرق أبي القاسم الداركي : أن إذا مستعمل في الأوقات ، وإن مستعمل في الأفعال ألا ترى لو قال رجل : متى تأتني ، يحسن في جوابه ، أن تقول إذا شئت ، ومتى شئت ولم يحسن في الجواب أن تقول : إن شئت ، فإذا قال : إن لم أطلقك فأنت طالق ، كان على الفور : لأن وقت المكنة قد مضى .

والفرق الثالث وهو فرق أبي الحسن الفرضي ، أن إذا اسم فكان أقوى عملا ، فلذلك كان على الفور ، وإن حرف فكان أضعف عملا ، فلذلك كان على التراخي .

التالي السابق


الخدمات العلمية