الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : في الفرق بين الطلاق بصفة وبين اليمين بالطلاق .

والطلاق بالعقد أن يعلق طلاقها بشرط لا تقدر على دفعه ، كقوله : أنت طالق إذا طلعت الشمس أو إذا دخل رأس الشهر ، أو إذا قدم الحاج ، أو إذا جاء المطر ، أو إذا نعب الغراب أو إذا حضت ، أو إن ولدت ، أو إن شئت ، فهذا كله وما شاكله تعليق الطلاق بصفة فإذا قال : إن حلفت بطلاقك ، فأنت طالق ثم قال لها : إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق ، أو إذا قدم الحاج فأنت طالق ، أو إذا جاء المطر فأنت طالق : لم يحنث ولم يلزمه الطلاق ، لأنه في هذه الأحوال مطلق بصفة وليس بحالف بالطلاق .

وأما اليمين بالطلاق فهو ما منع بها من فعال ، وحث بها على فعل ، أو قصد تصديق نفسه ، أو غيره على شيء ، فالتي يمنع بها من فعل ، أن يقول : إن دخلت الدار فأنت طالق . [ ص: 218 ] والتي يحث بها على فعل ، أن يقول : إن لم تدخلي الدار فأنت طالق .

والتي قصد بها التصديق على فعل ، أن يقول : إن لم أكن دخلت الدار ، فأنت طالق فهذا كله حلف بالطلاق ، فلو قال لها : إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ، إن دخلت الدار فأنت طالق ، حنث وطلقت منه : لأنه قد حلف بطلاقها ، فإن كانت غير مدخول بها لم تطلق بدخول الدار : لأنها قد بانت بالأولى ، وإن كانت مدخولا بها ، طلقت ثانية بدخولها ، فلو قال لها : إن دخل زيد الدار فأنت طالق ، فإن كان زيد ممن يطيعه ، ويمتنع من الدخول بقوله فهي يمين بالطلاق وإن كان زيد سلطانا أو ذا قدرة لا يطيعه ولا يمتنع من الدخول بقوله ، فهو طلاق بصفة ، وليس بيمين ، هذا مذهبنا ، وقالأبو حنيفة : كل هذا يمين كالطلاق ، إلا في ثلاثة أشياء ، أحدها أن يقول لها : أنت طالق إذا حضت ، أو أنت طالق إذا طهرت ، أو أنت طالق إذا شئت : لأن المقصود بقوله إذا حضت أو طهرت ، أن يوقعه للسنة والبدعة ، والمقصود بقوله إن شئت التمليك الذي يراعى فيه الرد والقبول . فأما إذا قال : إذا جاء رأس الشهر ، أو إذا طلعت الشمس ، فأنت طالق فإنها يمين بالطلاق ؟ لأنه تعليق طلاق بصفة ، فأشبه قوله : إن دخلت الدار . وهذا خطأ : لأن اليمين ما قصد بها المنع من شيء ، أو الحث على شيء ، أو التصديق على شيء ، وما خرج عن هذا فليس بيمين كقوله : إذا حضت أو طهرت .

التالي السابق


الخدمات العلمية