الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولو قال لأربع نسوة قد أوقعت بينكن تطليقة كانت كل واحدة منهن طالقا واحدة وكذلك تطليقتين وثلاثا وأربعا إلا أن يريد قسم كل واحدة فيطلقن ثلاثا ثلاثا " .

قال الماوردي : وهذا صحيح إذا قال لأربع زوجات له : قد أوقعت بينكن تطليقة ، كان ذلك صريحا في وقوع الطلاق عليهن ، لأنه لا فرق في عرف الخطاب بين قوله : قد أوقعت عليكن ، وبين قوله قد أوقعت بينكن ، كما لا فرق في الإقرار بين قوله : هذه الدار لزيد وعمرو ، وبين قوله هي بين زيد وعمرو ، لأن حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض ، وإذا كان ذلك صريحا فله في إيقاع الطلاق بينهن ستة أحوال : أحدها : أن يوقع بينهن تطليقة واحدة ، فتطلق كل واحدة منهن واحدة ، لأن الواحدة إذا قسمت بين أربع ، كان قسط كل واحدة منهن الربع فيكمل الربع بالسراية تطليقة كاملة .

والحال الثانية : أن يوقع بينهن تطليقتين فلا يخلو حاله فيهما من ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يريد قسمة جملة التطليقة بينهن ، فتطلق كل واحدة منهن واحدة ، لأن قسطها من قسمة الثنتين نصف واحدة فكملت واحدة .

والقسم الثاني : أن يريد قسمة كل واحدة منهما بينهن ، فتطلق كل واحدة منهن تطليقتين ، لأن قسطها من كل واحدة منهما ربع ، فيكمل الربع طلقة ، فوقع عليها بالربعين تطليقتان .

والقسم الثالث : أن لا يكون له إرادة في القسم ، فمذهب الشافعي أنه يحمل إطلاق ذلك على قسمة جملة التطليقتين بينهن ، فيكون قسط كل واحدة منهن نصف تطليقة ، وقال بعض أصحابنا وجها آخر ، وحكاه أبو علي الطبري في إفصاحه أنه يحمل إطلاق ذلك على قسمة كل تطليقة بينهن ، فيكون قسط كل واحدة منهن ربعي تطليقتين ، فتطلق تطليقتين ، وما نص عليه الشافعي أصح ، لأنه إذا كان محتملا للأمرين وجب حمله على الأقل .

والحال الثالثة : أن يوقع بينهن ثلاث تطليقات ، فإن أراد قيمة الجملة بينهن طلقت كل واحدة منهن تطليقة واحدة ، لأن قسطها من الثلاث ثلاثة أرباع تطليقة ، فكملت تطليقة وإن أراد قسمة كل تطليقة بينهن كل واحدة منهن ثلاثا ، لأن قسطهما ثلاثة أرباع تطليقات فيكمل كل ربع تطليقة ، وإن لم تكن له إرادة فعلى مذهب الشافعي يحمل على قسمة الجملة فتطلق كل واحدة منهن واحدة ، وعلى الوجه الآخر تطلق كل واحدة منهن ثلاثا .

[ ص: 248 ] والحال الرابعة : أن يوقع بينهن أربع تطليقات ، فإن أراد قسمة الجملة ، طلقت كل واحدة منهن واحدة وعلى الوجه الآخر تطلق كل واحدة منهن ثلاثا ، وتكون الرابعة لغوا ، وإن لم تكن له إرادة فعلى مذهب الشافعي تطلق واحدة ، وعلى الوجه الآخر ثلاثا .

والحال الخامسة : أن يوقع بينهن خمس تطليقات ، فإن أراد قسمة الجملة بينهن طلقت كل واحدة منهن تطليقتين ، لأن قسط كل واحدة ، واحدة وربع ، فكملت ثنتين ، وإن أراد قسمة كل تطليقة بينهن طلقت ثلاثا من خمس ، وإن لم تكن له إرادة فعلى مذهب الشافعي تطلق كل واحدة تطليقتين ، وعلى الوجه الآخر ثلاثا ، وكذلك لو أوقع بينهن ستا أو سبعا أو ثمانية ، لأن قسط كل واحدة من الست تطليقة ونصف ، ومن السبع تطليقة وثلاثة أرباع ، ومن الثمان تطليقتان ، ولا فرق بين تطليقتين وبين تطليقة من بعض ثانية في تكميلها بطلقتين .

والحال السادسة : أن يوقع بينهن تسع تطليقات ، فتطلق كل واحدة منهن ثلاثا ثلاثا ، لأن قسطها من قسمة الجملة تطليقتان وربع ، وهو أقل أحوالها ، فكملت ثلاثا ، وكذلك لو أوقع بينهن أكثر من سبع أو أكثر من ثمان ، ودون التسع كثمان ونصف أو ثمان وعشر ، لأنه أزاد قسط كل واحدة على الثنتين ولو بيسير من ثالثة ، كمل ثلاثا .

التالي السابق


الخدمات العلمية