الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولو قال كلما ولدت ولدا فأنت طالق واحدة فولدت ثلاثا في بطن طلقت بالأول واحدة وبالثاني أخرى وانقضت عدتها بالثالث " .

قال الماوردي : وصورتها : في رجل قال لامرأته : كلما ولدت ولدا فأنت طالق ، فإن ولدت ولدا واحدا طلقت واحدة ، وانقضت عدتها بالأقراء ، وسواء كان الولد ذكرا أو أنثى ، وسواء وضعته حيا أو ميتا ، كامل الخلق أو ناقصا ، فأما إن وضعت يدا أو رجلا لم تطلق ، لأنه بعض ولد وليس بولد وتصير به لو كانت أمه أم ولد ، ولأنها قد علقت منه بولد .

وإن وضعت ولدين فعلى ضربين :

أحدهما : أن تلدهما معا في حال واحدة ، لا يسبق أحدهما الآخر لكونهما في مشيمة واحدة ، فتطلق بهما طلقتين ، لأن كلما موضوعة للتكرار . وقد تكررت صفة الطلاق ، فوجب أن يتكرر بها وقوع الطلاق ، وعليها بعد التطليقتين أن تعتد بالأقراء .

والضرب الثاني : أن تضعهما واحدا بعد واحد ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يكون قد راجعها بعد الأول ، فتطلق بالثاني ثانية ، وتنقضي عدتها بالأقراء .

والضرب الثاني : أن لا يكون قد راجعها فتطلق بالأول واحدة ، وتنقضي عدتها بالثاني ولا تطلق به ، لأن ما انقضت به العدة لم يقع به الطلاق ، وإنما انقضت به العدة ، لأنها بوقوع الطلقة الأولى بالولد الأول معتدة ، والمعتدة إذا وضعت حملها بانت ، وإنما لم يقع به الطلاق إذا انقضت به العدة ، لأنها قد بانت بوضعه . [ ص: 254 ] والثاني لا يقع عليها الطلاق في حالة البينونة ، كما لو قال لها : إذا مت فأنت طالق ، لم تطلق بموته : لأنها بانت بالموت ، فلم تطلق بالموت .

وحكى أبو علي بن خيران عن الشافعي قولا ثانيا في الإملاء ، أنها تطلق بالثاني أخرى وتنقضي به العدة : لوجود الصفة في الثاني كوجودها في الأول ، ولا يمتنع أن يقع الطلاق والبينونة معا في حال واحدة ، كالتي لم يدخل بها .

وأنكر سائر أصحابنا تخريج هذا القول لأمرين :

أحدهما : أنني لم أجده في شيء من أماليه وقد تقدم ابن خيران من وقف على أمالي الشافعي قبله ، فلم يحكه منهم أحد . فعلى هذا يكون ابن خيران منسوبا في حكاية هذا القول إلى السهو والغلط .

والثاني : أن الحجاج يبطله وهو كمن قال لامرأته : إذا مت فأنت طالق ، فمات لم تطلق إجماعا لأن ما به يقع الطلاق قد وقعت به البينونة ، فلم يقع به الطلاق ، فعلى هذا يكون ما حكاه ابن خيران محمولا على أنها وضعتهما معا في حالة واحدة ، فطلقت بهما وانقضت عدتها بالأقراء ، ولو وضعتهما واحدا بعد واحد ، طلقت بالأول واحدة ، ولم تنقض العدة به ، وانقضت عدتها بالثاني ، ولم تطلق به ، وعلى هذا يكون التفريع ، فعلى هذا لو وضعت ثلاثة أولاد ، فإن وضعتهم معا في حالة واحدة طلقت بهم ثلاثا ، وانقضت عدتها بالأقراء وإن وضعتهم واحدا بعد واحد طلقت بالأول واحدة وبالثاني ثانية وانقضت عدتها بالثالث ، ولم تطلق به ، وهذا إذا كان الثلاثة من حمل واحد وهو أن يكون بين الأول والأخير أقل من ستة أشهر فإن كان بين الأول والثاني أكثر من ستة أشهر طلقت بالأول وحده طلقة .

قال أبو حامد الإسفراييني : وتنقضي عدتها قبل وضع الثاني والثالث : لأنهما من حمل مستأنف فيكون لحوقهما به ، كمن وضعت بعد انقضاء عدتها على ما سنفصله .

وهذا الذي قاله عندي ليس بصحيح : لأنه ليس يمتنع أن يطأها في العدة قبل انقضاء العدة عن الثالث فتعلق وتكون باقية في عدتها إلى وضعه ، فتنقضي به العدة .

وإذا كان كذلك لم يكن لما قاله أبو حامد وجه ، ونظر في الثاني والثالث فإن كان بينهما أكثر من ستة أشهر انقضت عدتها بالثاني ولم تطلق به وكان لاحقا بالزوج ، وصار الثالث مولودا بعد انقضاء العدة ، فيكون لحوقه على ما سنفصل

التالي السابق


الخدمات العلمية