الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : آخر : فلو قال لزوجته : إن لم أطلقك اليوم فأنت طالق اليوم ، فمضى اليوم قبل أن تطلق لم تطلق قاله أبو العباس بن سريج ، تعليلا بأن مضي اليوم شرط في وقوع الطلاق في اليوم فليس يوجد شرط الطلاق ، إلا وقد انقضى محل الطلاق فلم يقع .

وقال أبو حامد الإسفراييني : يقع الطلاق ، لأن شرط الطلاق فواته في اليوم ، وإذا بقي من آخره ما يضيق عن لفظ الطلاق فقد وجد الشرط ، وذلك الزمان لا يضيق عن وقوع الطلاق ، وإن ضاق عن لفظه فوجب أن يقع وهذا فاسد ، وقول أبي العباس أولى ، لأن وقوع الطلاق إذا لم يكن إلا بلفظ الطلاق، وزمان لفظه وزمان وقوعه مثلان ، فإذا ضاق عن أحدهما ضاق عن الآخر .

ولكن لو قال : إن لم أبع عبدي اليوم فأنت طالق اليوم فلم يبعه حتى مضى اليوم ، طلقت وصح فيه تعليل أبي حامد ، لأن زمان البيع أوسع من زمان الطلاق ، لأنه يفتقر إلى بذل البائع وقبول من المشتري ، فإذا ضاق عن اللفظين في البيع وجد الشرط ، وهو لا يضيق عن الطلاق الذي يقع بأحد اللفظين فلذلك وقع ، ولو قال : إن لم أبع عبدي اليوم فأنت طالق اليوم ، فأعتقه طلقت لفوات بيعه بالعتق ، وفي زمان طلاقها وجهان :

أحدهما : عقيب عتقه .

والثاني : في آخر اليوم إذا ضاق عن وقت البيع ، لو كان بيعه ممكنا ولكن لو دبر عبده لم تطلق إلا بفوات بيعه ، لأن بيع المدبر جائز وكذلك لو كاتبه ، لأنه قد يجوز أن يفسخ المكاتب كتابته فيجوز بيعه .

قال أبو العباس بن سريج : ولو قال لها : أنت طالق يوم لا أطلقك فإذا مضى يوم لم يطلقها فيه طلقت بالحنث ، ولو قال : أنت طالق يوم لا أدخل دار زيد ، طلقت إذا مضى عليه وقت يمكنه أن يدخل فيه دار زيد ، من ليل أو نهار ، ولم يراع فيه مضي اليوم ، قال : لأن الناس يريدون بمثل هذا الوقت دون اليوم المقدر ، كقوله تعالى : ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال [ الأنفال : 16 ] . يريد به الوقت ولا يريد به نهار اليوم ، وهذا التعليل إن صح في قوله : لا أدخل دار زيد فأنت طالق ، صح في [ ص: 292 ] قوله : يوم لا أطلقك فأنت طالق ، وليس الفرق بينهما معنى يصح فإن جعل ذكر اليوم في دخول الدار ، عبارة عن الوقت جعل في وقوع الطلاق عبارة عن الوقت ، وإن لم يجعل في أحدهما لم يجعل في الآخر ، ولكن لو قال : ليلة لا أدخل فيها دار زيد ، فأنت طالق لم تطلق إلا بمضي الليلة لا بدخول داره فيها .

والفرق بين الليلة واليوم ، أن العرف مستعمل بأن الوقت قد يعبر عنه باليوم ولا يعبر عنه بالليلة ، ولو قال : أنت طالق إلى حين أو إلى زمان ، طلقت إذا سكت ، لأنه حين وزمان ووقت .

التالي السابق


الخدمات العلمية