الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا ثبت ما ذكرنا من جواز الرجعة بعد الطلاق فإن استباحة البضع بعد تحريمه بالطلاق بغير عقد نكاح على ما سنصفه من حلالها وجوازها معا معتبر بأربعة شروط :

[ ص: 303 ] أحدها : أن يكون الطلاق دون الثلاث ، فإن كان ثلاثا حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره ، وسواء جمع بين الثلاث أو فرقها قبل الدخول كانت أو بعده . قال الله تعالى : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره [ البقرة 230 ] .

والشرط الثاني : أن يكون الطلاق بعد الدخول فإن كان قبله فلا رجعة ، لأنه لا عدة على غير المدخول بها ، والرجعة تملك في العدة .

قال الله تعالى : ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها [ الأحزاب : 49 ] .

والشرط الثالث : أن يكون الطلاق بغير عوض ، فإن كان خلعا بعوض ، فلا رجعة فيه لما ذكرناه في كتاب الخلع .

والشرط الرابع : أن تكون باقية في عدتها ، فإن انقضت العدة فلا رجعة .

قال الله تعالى : فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف [ الطلاق : 2 ] . والمراد به مقاربة الأجل ، لأن حقيقة الأجل ، وإن كان لانقضاء المدة كما قال : فإذا بلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن [ البقرة : 232 ] . يريد به انقضاء عدتهن فقد يجوز أن يراد به مجازا أن يقارب انقضاء العدة كالذي قاله هاهنا ، وهو معنى قول الشافعي ، فدل سياق الكلامين على افتراق البلوغين .

فإن قيل . فلم خص الرجعة بمقاربة الأجل وعند انقضاء العدة ؟ وهي تجوز في أول العدة ، كما تجوز في آخرها . وهي في أولها أولى .

قيل عنه جوابان :

أحدهما : التنبيه على أنها إذا جازت في آخر العدة كانت بالجواز في أولها أولى .

والثاني : ليدل على صحة الرجعة في حالة الإضرار بها ، وهو أن تنتظر بها آخر العدة ، ثم يراجعها ثم يطلقها بعد الرجعة فلا تكون هذه الرجعة من الإمساك بالمعروف ، وقد قال تعالى : ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا [ البقرة : 231 ] . ثم قد صحت الرجعة في هذه الحال مع قصد الإضرار فكان صحتها بالمعروف إذا لم يقصد الإضرار أولى فإذا صحت بهذه الشروط الأربعة فهي جائزة وليست بواجبة ، وأوجبها ملكا في طلاق البدعة وقد مضى الكلام معه .

التالي السابق


الخدمات العلمية