الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " وللعبد من الرجعة بعد الواحدة ما للحر بعد الثنتين كانت تحته حرة أو أمة " .

[ ص: 304 ] قال الماوردي : وأصل هذا أن الزوج يملك الرجعة ما لم يستوف عدد الطلاق الذي قد ملكه بعقد النكاح والحر يملك ثلاث تطليقات فيراجع بعد الأولى والثانية ، ولا يراجع بعد الثالثة ، والعبد يملك طلقتين فيراجع بعد الأولى ولا يراجع بعد الثانية ، لأن العبد يستوفي بالثانية عدد طلاقه كما يستوفيه الحر بعد الثالثة وإذا افترقا حكم الحر والعبد فيما وصفنا من عدد الطلاق واستحقاق الرجعة فيه فهو معتبر بحاله لا بحال الزوجة فيتملك الحر ثلاثا سواء كان تحته حرة أو أمة ويملك العبد طلقتين سواء كان تحته حرة أو أمة فيكون اعتباره بالرجال دون النساء وبه قال عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت وعائشة وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عباس ، ومالك بن أنس .

وقال أبو حنيفة وصاحباه والثوري : الطلاق معتبر بالنساء دون الرجال ، فالحرة تملك زوجها ثلاث تطليقات حرا كان أو عبدا ، والأمة تملك زوجها طلقتين حرا كان زوجها أو عبدا ، وحكوه عن علي بن أبي طالب عليه السلام استدلالا بقوله تعالى : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان [ البقرة : 229 ] . والمراد به الحرة لقوله : ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به [ البقرة : 229 ] .

وذلك في الحرة لأنها هي التي تفتدي نفسها بما شاءت ، وقد جعل طلاقها ثلاثة ولم يفرق بين أن يكون زوجها حرا أو عبدا فكان على عمومه فيهما وبرواية ابن جريج عن مظاهر بن أسلم عن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : طلاق الأمة طلقتان وعدتها حيضتان فجعل طلاقها معتبرا بها كالعدة .

ولأنه عدد محصور متعلق بالنكاح فوجب أن يكون معتبرا للنساء كالعدة لأنه عدد محصور يختلف بالحرية والرق فوجب أن يكون كماله ونقصانه معتبرا بالموقع عليه كالحدود .

ودليلنا قوله تعالى : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان [ البقرة : 229 ] . والمراد به الحر لقوله من بعد : ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله [ البقرة : 229 ] . وذلك خطاب للحر ولم يفرق بين أن تكون تحته حرة أو أمة قد خالعت بإذن سيدها ، فكان على عمومه منهما .

ويدل عليه من المعنى وهو علة أبي حامد أنه ذو عدد محصور للزوج إزالة ملكه عنه بعوض فوجب أن يعتبر كماله ونقصانه بالزوج .

أصله عدد المنكوحات فإن الحر ينكح أربعا والعبد اثنتين .

[ ص: 305 ] وقوله : ذو عدد محصور احترازا من القسم فإنه يعتبر بالزوجة دون الزوج ، لأنه غير محظور .

وقوله للزوج إزالة ملكه بغير عوض احترازا من حد القذف فإنه معتبر بالمقذوفة وتحرير هذه العلة بأصح من هذه العبارة أن ما ملكه الزوج بنكاحه إذا اختلف عدده بعد حصره كان معتبرا بالزوج دون الزوجة ، أصله عدد المنكوحات وعلة أخرى أنه نقص يؤثر في منع الطلاق فوجب أن يكون معتبرا بالزوج كالجنون والصغر وعلة ثالثة أن ما اختص بأحد الزوجين إذا اختلف بالحرية والرق كان معتبرا بمن يباشره كالعدة .

وأما الجواب عن الآية فهو ما قدمناه من الاستدلال بها .

وأما الجواب عن الخبر فهو محمول على الزوج إذا كان عبدا : لأنه هو زوجها على الإطلاق والحر إنما ينكحها لضرورة وشرط .

وأما الجواب عن قياسهم على العدة فهو ما جعلناها به أصلا في وجوب اختصاصها بالمباشر لها .

وأما الجواب عن قياسهم على الحدود فهو أنها تجب عقوبة فاختصت بالفاعل لسببها ، والطلاق ملك فاعتبر به حال مالكه كسائر الأملاك .

التالي السابق


الخدمات العلمية