الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإن عدم البينة على رجعته فدعواه مسموعة على الزوجة وعلى الزوج الثاني ، وكل واحد منهما فيها خصم له ، لأن الزوجة مدعاة ، والزوج الثاني متملك ، فلذلك صارا فيها خصمين للأول ، فإذا ادعى ذلك عليهما فلهما أربعة أحوال :

أحدها : أن يصدقاه على الرجعة فيبطل نكاح الثاني .

فإن لم يكن قد دخل بها فلا مهر عليه ولا حد ، وعادت إلى الأول بنكاحه الأول ، وحل له وطئها في الحال .

وإن دخل بها الثاني نظر فإن كانا عالمين بالرجعة فهما زانيان ، وعليهما الحد ولا مهر عليه ولا عدة عليه وهي حلال للأول من غير عدة ولو توقف عن إصابتها إلى انقضاء العدة كان أولى ، وإن لم يتوقف فلا حرج كما لو زنت تحته ، وإن كانا جاهلين بالرجعة فلا حد عليهما للشبهة ، وعليه مهر المثل دون المسمى ، وعليها العدة ، وهي محرمة على الأول حتى تنقضي عدتها من الثاني ، ولا نفقة لها على واحد منهما في زمان العدة ، فإن جاءت بولد نظر فيه ، وكانت حاله مترددة بين أربعة أقسام :

أحدها : أن يمكن لحوقه بالأول دون الثاني لولادته لأقل من أربع سنين في طلاق الأول وأقل من ستة أشهر من إصابة الثاني فهذا لاحق بالأول دون الثاني ، فلا تنقضي به عدتها من الثاني وعليها أن تعتد بالأقراء من إصابته .

والقسم الثاني : أن يمكن لحوقه الثاني دون الأول لولادته من أكثر من أربع سنين من طلاق الأول ، وأكثر من ستة أشهر من إصابة الثاني فهذا لاحق بالثاني وتنقضي ، [ ص: 317 ] عدتها منه بوضعه وتعود إلى إباحة الأول بعد ولادته .

والقسم الثالث : ألا يمكن لحوقه بواحد منهما لولادته لأكثر من أربع سنين من طلاق الأول ، وأقل من ستة أشهر من إصابة الثاني ، فلا يلحق بالثاني لاستحالة كونه من إصابته ولا بالأول لاستحالة علوقه قبل طلاقه ، وعليها أن تعتد من إضافة الثاني بالأقراء .

القسم الرابع : أن يمكن لحوقه بكل واحد منهما لولادته لأقل من أربع سنين من طلاق الأول ولأكثر من ستة أشهر من إصابة الثاني فيعرض على القافة ولا يعتبر تصادقهما عليه : لأن لحوق النسب حق للولد فإذا ألحقته القافة بأحدهما لحق به ، وكان الجواب فيه على ما مضى فهذا إذا كانا جاهلين بالرجعة فإن كان الزوج جاهلا بها والزوجة عالمة به حدت دونه ، ولا مهر لها لوجوب الحد عليها ، وعليها العدة لسقوط الحد عن الزوج ، ولحوق الولد به لو أمكن على ما مضى ، وإن كانت الزوجة جاهلة بها والزوج عالما حد دونها ، ولها المهر لسقوط الحد عنها ، ولا عدة عليها لوجوب الحد على الزوج ونفي النسب عنه فهذا حكم الحال الأول إذا صدقاه .

فصل : والحال الثانية : أن يكذباه على الرجعة ، فالقول قولهما مع أيمانهما ، لأن الأصل عدم الرجعة ، والظاهر صحة النكاح ، فلم تقبل دعوى الأول في إحداث الرجعة وإبطال النكاح ، وإذا كان كذلك فللزوجة والزوج الثاني أربعة أحوال :

أحدها : أن يجيبا إلى اليمين فيحلف الزوج الثاني لا يختلف فيه ، وهل تحلف الزوجة بعد يمين الثاني أم لا ؟ على قولين :

أحدهما : لا تحلف ، لأن اليمين يوضع زجرا ليرجع الحالف فيقضى عليه بالدعوى ، وهذه لو رجعت لم يقض للأول بها بعد يمين الثاني ، فلم يكن لتميز الزوجة معنى .

والقول الثاني : أنها تحلف ، حتى إن نكلت قضي عليها بالمهر الأول وإن حكم بأنها زوجة للثاني .

والحال الثانية : أن ينكلا جميعا عن اليمين ، وترد اليمين على الزوج الأول ، فإذا حلف حكم له بالزوجة ، وهل يجري يمينه بعد نكولهما مجرى البينة أو الإقرار ؟ على قولين :

أحدهما : يجري مجرى الإقرار ، فعلى هذا إن كان الثاني لم يصب فعليه نصف المهر ، وإن أصاب فعليه جميع المسمى .

والثاني : أنها تجري مجرى النية ، فعلى هذا إن كان الثاني لم يصب فلا شيء [ ص: 318 ] عليه ، فإن أصاب فعليه مهر المثل دون المسمى ، والكلام في العدة والولد على ما مضى .

والحال الثالثة : أن يحلف الزوج الثاني وتنكل هي عن اليمين ، فيحكم بها زوجة للثاني بيمينه ، وهل يكون لنكولها تأثير أم لا ؟ على قولين من اختلافهما في وجوب اليمين عليهما .

فإن قيل : إنها لا تجب ، لم ترد اليمين على الأول ، ولم يقض له عليها بالمهر .

وإن قيل : إنها تجب ردت اليمين على الأول ، فإذا حلف قضي له عليها بمهر المثل .

والحال الرابعة : أن تحلف الزوجة وينكل الزوج الثاني عن اليمين ، فتكون زوجة للثاني لسقوط حق الأول بيمينها ، ولا يؤثر نكول الثاني في سقوط حق الأول فهذا حكم الحال الثانية إن أكذباه .

فصل : والحال الثالثة : أن تصدقه الزوجة ويكذبه الزوج فالقول قول الزوج الثاني مع يمينه ولا تصدق عليه الزوجة في إبطال نكاحه ، فإن حلف الثاني كانت زوجته دون الأول ، وهل للأول أن يرجع عليها بمهر المثل أم لا ؟ على قولين بناء على اختلاف قوليه : فيمن قال : هذه الدار لزيد لا بل لعمرو :

أحدهما : تجب له عليها مهر المثل ، لأنها قد فوتت بضعها عليه بنكاح الثاني فصار كما لو فوتته برضاع .

والقول الثاني : لا مهر له عليها ، لأنها قد أقرت له بما لزمه وإنما الحكم صرفه عنها ، فإن فارقها الثاني بموت أو طلاق عادت إلى الأول بالتصديق المتقدم ، وإن نكل الزوج الثاني عن اليمين ردت على الزوج الأول ، فإن حلف حكم له بالنكاح وإن نكل كانت زوجة الثاني وعلى نكاحه ، ولم يكن للأول أن يرجع عليها بالمهر ، لأنه قد أسقط حقه منها بالنكول فإن فارقها الثاني بموت أو طلاق ، عادت إلى الأول بإقرارها الأول .

التالي السابق


الخدمات العلمية