الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : قال الشافعي في كتاب الأم .

كانت الفرقة في الجاهلية بثلاثة أشياء بالطلاق ، والظهار ، والإيلاء ، فنقل الله تعالى الإيلاء ، والظهار عما كانا عليه في الجاهلية من إيقاع الفرقة على الزوجة إلى ما استقر عليه حكمها في الشرع ، وبقي حكم الطلاق على ما كان عليه .

والأصل في بيان حكم الإيلاء قول الله تعالى : للذين يؤلون من نسائهم تربص [ ص: 337 ] [ البقرة : 226 ] وفي الكلام حذف ، وتقديره : للذي يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم ، فترك أن يعتزلوا اكتفاء بما دل عليه ظاهره ، وفيه قولان :

أحدهما : أنه لا يكون موليا إلا بالله تعالى .

والثاني : أنه يكون موليا بكل يمين التزم بالحنث فيها ما لم يكن لازما له سواء كان حالفا بالله تعالى أو بالعتق والطلاق .

وفيما يصير بالحلف عليه موليا قولان :

أحدهما : اليمين على زوجته أن لا يطأها فيكون يمينه على الامتناع من وطئها هو الإيلاء ، وهذا هو قول الشافعي والجمهور ولا يكون موليا إذا حلف على غير الوطء .

والثاني : أن الإيلاء هو الحلف على مساس زوجته سواء كانت على الوطء أو على غيره إذا قصد الإضرار بها .

وهو قول أبي قلابة وإبراهيم النخعي .

ثم قال سبحانه : تربص أربعة أشهر [ البقرة : 226 ] يعني انتظار أربعة أشهر وهذه أربعة أشهر يؤجل بها المولي ، وفيها مذهبان :

أحدهما : أنها أجل مقدر لوقوع الطلاق بعده ، وهذا قول أبي حنيفة ومن وافقه .

والثاني : أنها أجل لاستحقاق المطالبة بعدها وهذا قول الشافعي ومن وافقه .

ثم قال فإن فاءوا [ البقرة : 226 ] أي رجعوا ، والفيئة : الرجوع ، فإن الله تعالى قال : حتى تفيء إلى أمر الله [ الحجرات : 9 ] أي ترجع ، ومنه قول الشاعر .


ففاءت ولم تقض الذي أقبلت له ومن حاجة الإنسان ما ليس قاضيا

وفيما أريد بالفيئة هاهنا قولان :

أحدهما : الجماع وهو قول الجمهور .

والثاني : هو المراجعة باللسان بكل ما أزال مساءتها ودفع الضرر عنها ، وهذا قول من زعم أن الإيلاء هو اليمين على مساءتها وقصد الإضرار بها فإن الله غفور رحيم [ البقرة : 226 ] فيه تأويلان :

أحدهما : غفور لمآثمه مع وجوب الكفارة عليه ، وهذا قول الجمهور .

[ ص: 338 ] والثاني : غفور في تخفيف الكفارة وإسقاطها ، وهذا قول الحسن ، وإبراهيم ، ومن زعم أن الكفارة لا تلزم فيما كان الحنث فيه برا .

وإن عزموا الطلاق [ البقرة : 227 ] وفي عزيمته تأويلان :

أحدهما : أن الطلاق أن لا يفيء حتى تمضي أربعة أشهر فتطلق بمضيها ، واختلف من قال بهذا في الطلاق الذي يلحقها على قولين :

أحدهما : طلقة بائنة ، وهو قول عبد الله بن مسعود ، وزيد بن ثابت وابن عباس وأبي حنيفة .

والثاني : طلقة رجعية وهو قول سعيد بن المسيب ، وأبي بكر بن عبد الرحمن ، وابن شبرمة رحمهم الله تعالى .

والتأويل الثاني : أن عزيمة الطلاق أن يطالب بالفيئة ، أو بالطلاق بعد أربعة أشهر فلا يفيء ويطلق وهذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وأبي الدرداء وعائشة وأكثر الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ، وبه قال الشافعي وأكثر الفقهاء رضي الله عنهم . فإن الله سميع عليم [ البقرة : 227 ] فيه تأويلان :

أحدهما : سميع لإيلائه ، عليم بنيته .

والثاني : سميع لطلاقه عليم بصبره .

التالي السابق


الخدمات العلمية