الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " والمولي من حلف بيمين يلزمه بها كفارة ومن أوجب على نفسه شيئا يجب عليه إذا أوجبه على نفسه إن جامع امرأته فهو في معنى المولي " .

قال الماوردي : قد ذكرنا أن الإيلاء يمين يحلفه بها على الامتناع من وطئها ، فإن كانت هي اليمين لا يجب عليه بالحنث فيها شيء كاليمين بالمخلوقات كالأنبياء ، والملائكة والسماء والعرش لم يكن موليا ، لأنه خارج عن حكم الأيمان فخرج عن حكم الإيلاء ، وإن أوجب عليه الحنث في يمينه شيئا فعلى ضربين :

أحدهما : أن تكون يمينه بالله تعالى ، أو باسم من أسمائه ، أو بصفة من صفات ذاته يجب عليه بالحنث فيها كفارة فهذا مول يؤخذ بحكم الإيلاء .

والضرب الثاني : أن يكون بغير الله تعالى وهو أن يحلف بالعتق ، أو الطلاق ، أو الصدقة ، أو الصيام كأن قال : إن وطئتك فعبدي حر أو أنت طالق ، أو عمرة طالق لزوجة له أخرى أو مالي صدقة أو علي الحج إلى بيت الله ، أو صيام يوم أو صلاة ركعتين ، أو اعتكاف شهر إلى ما جرى هذا المجرى من الأيمان التي إذا حنث فيها لزمه ما لم يكن لازما له فيكون حالفا وهل يصير بهذا الحلف موليا يؤخذ بحكم الإيلاء أم لا ؟ على قولين :

أحدهما : وهو قوله في القديم لا يكون موليا ما لم يحلف بالله تعالى لقول الله سبحانه : ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم [ البقرة : 224 ] ثم قال تعالى : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم [ البقرة : 255 ] يعني بالله ، ثم قال : للذين يؤلون من نسائهم [ البقرة : 226 ] فعطف به على اليمين بالله فاقتضى أن لا يكون موليا إلا به : ولأن مطلق الأيمان محمولة عرفا وشرعا على اليمين بالله ، أما العرف فلأنه إذا قيل فلان قد حلف لم يعرف منه إلا الحلف بالله إلا أن يقيد فيقال حلف بالعتق أو الطلاق ، وأما الشرع فلقول النبي صلى الله عليه وسلم : من كان حالفا فليحلف بالله أو فليصمت فوجب أن يكون إطلاق الإيلاء محمولا على هذا المعهود من عرف ، أو شرع ، ولقوله تعالى : فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم [ البقرة : 226 ] وغفران المأثم يتوجه إلى الأيمان بالله تعالى دون العتق والطلاق .

[ ص: 344 ] ولأن الإيلاء هو الذي يستضر بالحنث فيه فيلتزم ما لم يكن لازما له ، واليمين بالعتق والطلاق قد لا يستضر بالحنث فيها وهو أن يطأ بعد بيع عبده أو طلاق زوجته فلا يلتزم بالحنث بالوطء فوجب أن لا يكون موليا كما لو قال والله لا وطئتك في هذه الدار أو في هذا البلد لم يكن موليا وإن كان حالفا لأنه قد يطؤها في غير تلك الدار ، وفي غير ذلك البلد فلا يحنث .

والقول الثاني : وهو قوله في الجديد أنه يكون موليا سواء كانت يمينه بالعتق أو بالطلاق أو كانت بالصلاة والصيام .

وقال أبو يوسف : لا يكون موليا إذا حلف بالصلاة والصيام ويكون موليا إذا حلف بالعتق والطلاق ، ولا فرق بينهم على القولين ، ووجه قولنا أنه يكون موليا بجميع ذلك قول الله تعالى : للذين يؤلون من نسائهم فكان على عمومه في كل حالف ، وإذا كان اللفظ مطلقا كان إجراؤه على العموم أولى من حمله على الخصوص ، ولأنها يمين يلتزم بالحنث فيها ما لم يلزمه فاقتضى أن يكون موليا كاليمين بالله تعالى ولأن الإيلاء ما أدخل الضرر على المولي وقد يكون الضرر في يمينه بالعتق والطلاق من الضرر من يمينه بالله فكان أولى أن يكون بهما موليا .

التالي السابق


الخدمات العلمية