الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : والسؤال الثالث : قال المزني فإن قيل : ففرض الصلاة يلزم السكران ولا يلزم المجنون ؛ فلذلك فرض الصلاة يلزم النائم ولا يلزم المجنون فهل يجيز طلاق السكران لأنه لا يعقل ما يقول قال الله تعالى : لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون [ النساء : 43 ] فلم تكن له صلاة حتى يعلمها ويريدها، كذلك لا طلاق له ولا ظهار حتى يعلمه ويريده . وذكر المزني في هذا السؤال ثلاثة فصول :

أحدها : أنه قال لو لزم طلاق السكران لأن فرض الصلاة يلزمه ولا يلزم المجنون لوجب أن يلزم طلاق النائم، وطلاقه لا يلزم وإن لزمه الفرض، كذلك السكران .

والجواب عنه : أننا لسنا نوقع طلاقه للزوم فرض الصلاة له فنوجب إلحاقه بالنائم وإنما نوقعه لإحدى المعاني الثلاثة : إما لأنه غير معذور والنائم معذور وإما لأنه عاص [ ص: 424 ] يستحق التغليظ، والنائم ليس بعاص وغير مستحق للتغليظ ، وإما لأنه متهم بإظهار سكره كذبا، والنائم غير متهم .

والثاني : أنه قال إن كان النائم لا يقع طلاقه لأنه لا يعقل فالسكران لا يعقل .

والجواب عنه : أنه ليس حد السكر عندنا أنه لا يعقل فيصير ملحقا بالنائم وقد حده الشافعي رضي الله عنه فقال : السكران من عزب عنه بعض عقله فكان مرة يعقل ومرة لا يعقل .

وقال أبو حنيفة : السكران من لا يعرف الليل من النهار والسماء من الأرض وهذا بعيد أن يوجد في السكر .

وقال الأوزاعي : هو من لا يميز رداءه من أردية الحي .

قال آخرون : هو من يخلط في كلامه ، وإذا كانت المذاهب مختلفة في حد السكران وكان المزني مخالفا فيها لم يكن خلافه حجة له، وإن سلم الحد الذي ذكرناه بأن به الفرق بينه وبين النائم .

والثالث : أن استدل بقول الله تعالى : لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون [ النساء : 43 ] فلم يكن [ له ] صلاة حتى يعلمها ويريدها كذلك لا طلاق له ولا ظهار حتى يعلمه ويريده . وعنه جوابان أحدهما : فساد الاستدلال بها لأنه جعل وقوع الطلاق معتبرا بصحة الصلاة والشرط فيهما [ مختلف ] فلم يجز أن يكون أحدهما معتبرا بالآخر لأن الصلاة لا تصح إلا بكمال جميع العقل والتمييز، والطلاق لا يسقط إلا بزوال جميع العقل والتمييز ، والسكران خارج ممن كمل ( جميع ) عقله وتمييزه، فلذلك لم تصح صلاته، وخارج ممن زال جميع عقله وتمييزه فلذلك وقع طلاقه .

والجواب الثاني : أننا نجعلها دليلا عليه في وقوع طلاقه لأنه خاطبه بالصلاة أمرا بها إذا علم، ونهيا عنها إذا جهل عنها، والخطاب على وجهين : خطاب مواجهة مختص بالعقل، وخطاب إلزام يدخل فيه جميع الأصاغر والمجانين ، ولا يخلو هذا الخطاب من أحد أمرين : إما أن يكون في حال السكر فهو مواجهة، وإما في غير حال السكر فهو إلزام وعلى أيهما كان لم يخرج منه لسكره .

التالي السابق


الخدمات العلمية