الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تقرر ما ذكرنا من سجود العزائم فمن السنة لمن قرأها أو سمعها من رجل ، أو امرأة أن يسجد لها ، فإذا أراد السجود لها مستمعا كان ، أو قارئا لم تخل حاله من أحد أمرين : إما أن يكون في صلاة ، أو غير صلاة ، فإن كان في صلاة سجد لها بعد تلاوتها ، ثم هل يكبر لسجوده ورفعه أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : وهو قول أبي إسحاق المروزي يسجد مكبرا ، ويرفع مكبرا ، ولا يرفع يديه حذو منكبيه ، وهو ظاهر قول الشافعي .

والوجه الثاني : وهو قول أبي علي بن أبي هريرة : يسجد غير مكبر ، ويرفع غير مكبر ، وإن كان في غير صلاة استقبل القبلة مستور العورة على طهارة ، وكبر وسجد ، وسبح في سجوده كتسبيحه في صلاته ، ويستحب أن يقول في سجوده ما رواه ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اللهم اكتب لي بها أجرا ، وضع عني بها وزرا ، واجعلها لي عندك ذخرا ، وتقبلها مني كما تقبلتها من داود ثم يرفع مكبرا بلا تشهد ، ولا سلام نص عليه [ ص: 205 ] الشافعي في البويطي ، وفيه وجه آخر : أنه يحتاج إلى تشهد ، وسلام كالصلوات وفيه وجه آخر : أنه يسلم ، ولا يتشهد كصلاة الجنازة ، فأما سجود الشكر فمستحب [ القول في سجود الشكر ] عند حلول نعمة ، أو دفع نقمة ، وقال أبو حنيفة : سجود الشكر بدعة ، وهذا خطأ لرواية عبد الرحمن بن عوف قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو بقيع الغرقد فسجد ، وأطال ، فسألته عن ذلك فقال : " إن جبريل عليه السلام أتاني ، فبشرني بأن من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا ، فسجدت لله سبحانه شكرا .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى نغاشا والنغاش : الناقص الخلق ، فسجد شكرا لله سبحانه .

وروي عن بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة ، عن أبيه ، عن جده أبي بكرة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بعض أزواجه ، فأتى بشيره بظفر أصحاب له ، قال : فخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدا .

وروي عن أبي بكر رضي الله عنه ، لما بلغه فتح اليمامة ، وقتل مسيلمة أنه قال : الحمد لله ، وسجد شكرا لله عز وجل .

وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أنه سجد شكرا لله عز وجل ، حين بلغه فتح القادسية ، واليرموك .

وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه لما رأى ذا الثدية بالنهروان قتيلا سجد شكرا لله سبحانه .

وقال : لو أعلم شيئا أفضل منه لفعلت ، وفي استفاضة ذلك ، وتسميتها ، وشاهد العقول لها من حيث أن الواحد يعظم من أنعم عليه عند إدخال نعمة عليه مطابقة لقولنا ، وإبطال قول من جعلها بدعة من مخالفينا ، فإذا أراد سجود الشكر صنع ما يصنع في سجود التلاوة سواء ، ولا يجوز أن يأتي بسجود الشكر في صلاته ، ولا إذا قرأ سجدة " ص " فإن سجد في صلاته شكرا بطلت صلاته ، وإن سجد عندما قرأ سجدة " ص " ففي بطلان صلاته وجهان :

أحدهما : باطلة لأنها سجدة شكر .

[ ص: 206 ] والثاني : وهو أصح ، صلاته جائزة لتعلقها بالتلاوة .

التالي السابق


الخدمات العلمية