الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما الحسن وطاوس والزهري فاستدلوا على أن العود الوطء بأن سلمة بن صخر وطئ بعد ظهاره فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكفارة فاقتضى أن يكون ذكر السبب شرطا في وجوب التكفير ، لما روي أن ماعزا زنا فرجم، وسرق سارق رداء صفوان فقطع ، ولأن الظهار والإيلاء تشابها في الجاهلية في كونهما طلاقا وفي الإسلام في إيجابهما الكفارة ثم ثبت أن الكفارة في الإيلاء تجب بالوطء فكذلك في الظهار ، ولأنه بالظهار محرم لوطئها فاقتضى أن يكون العود فيه مخالفته بوطئها . والدليل عليه قوله تعالى : فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا فأوجب الكفارة قبل المسيس فلم يجز أن يكون وجوبها معلقا بالمسيس ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أوسا بالكفارة قبل وطئه ولا يجوز أن يأمره بالتزامها قبل وجوبها ، ولأنه أمسكها زوجة بعد الظهار مدة يقصر فيها على الطلاق فوجب أن تلزمه الكفارة كالوطء، ولأن ما ذكرناه في العود من كونه إمساكا عن الطلاق أعم الأقوال، لأنه يقتضي وجوب الكفارة به وبإعادة القول وبالعزم على الوطء وبالوطء فكان أولى كالعلل يكون الأعم منها أولى من الأخص .

وأما الجواب عن أمره سلمة بن صخر بالكفارة بعد وطئه وهو أن الوطء تال للسبب المنقول وهو الظهار فاحتمل أن يكون الحكم بالتكفير عائدا إليهما ، واحتمل أن يكون عائدا إلى الأول منهما ، فلما أمر أوسا بالكفارة قبل وطئه دل على تعلق وجوبها بما تقدم وطأه من ظهاره وإمساكه .

وأما الجواب عن التشبيه بالإيلاء فالنص الوارد فيهما يمنع من الجمع بينهما لأنه مأمور بالكفارة في الظهار قبل الوطء والإيلاء بعده فلم يجز الجمع بينهما لأنه مأمور بالكفارة في الظهار .

وأما الجواب عن قولهم إن مخالفة التحريم تكون بالوطء وهو ما قدمناه من أن المخالفة تكون بالإمساك .

التالي السابق


الخدمات العلمية