الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " أو خرساء جبلية تعقل الإشارة بالإيمان أجزأته، وأحب إلي أن لا يعتقها إلا أن تتكلم بالإيمان " .

قال الماوردي : وأما الأخرس إذا حكم بإيمانه تبعا لأحد أبويه فعتقه في الكفارة جائز ولا يمنع خرسه من إجزاء عتقه لأنه عيب لا يضر بالعمل إضرارا بينا . وكذلك الأصم فإن اجتمع الخرس والصم لم يجز في عتق الكفارة لأن اجتماعهما مضر بالعمل إضرارا بينا . فأما الخرساء الجبلية التي لم تتبع أحد أبويها في الإسلام فإذا وصفت الإسلام بالإشارة بعد البلوغ، وكانت مفهومة الإشارة صح إسلامها وأجزأ عتقها ؛ لحديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختبر إسلام السوداء بالإشارة ، ولأن إشارة الخرساء في سائر الأحكام تقوم مقام النطق فكذلك في الإسلام .

فصل : فإذا تقرر أن إسلامها معتبر بالإشارة فقد نقل المزني أنه إذا أعتقها بعد الإشارة بالإسلام أجزأته .

وروى الربيع في كتاب " الأم " إذا أشارت بالإسلام، وصلت جاز عتقها، فاختلف أصحابنا فيما رواه الربيع من صلاتها بعد الإشارة هل يكون شرطا في جواز العتق أم لا على وجهين :

أحدهما : أنها توكيد وليست شرطا على ما نقله المزني ؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقتصر من الأعجمية على الإشارة بالإسلام دون الصلاة .

والوجه الثاني : أن صلاة الأخرس شرط في صحة إسلامه بالإشارة، وحمل إطلاق المزني على تفسير الربيع ؛ لأن الإشارة استدلال يختص بالأخرس ، والصلاة اشترك فيها الناطق والأخرس، فإذا أمكن اختبار إسلامه بما يشتركان فيه لم يجز الاختصار على ما يختص به .

التالي السابق


الخدمات العلمية