الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا ثبت جواز اللعان بكل قذف وجب بمثله الحد ، فلا يخلو حال الزوجة من أحد أمرين : إما أن تكون حائلا أو حاملا ، فإن كانت حائلا غير ذات حمل فينقسم حالها ثلاثة أقسام :

أحدها : يجوز أن يقذفها ويلاعن منها ، وذلك في أربعة أحوال :

إما أن يراها تزني ، وإما أن تقر عنده بالزنا ، وإما أن يخبره بزناها ثقة يقع في نفسه صدقه . وإما أن يستفيض في الناس أنها تزني ويرى مع هذه الاستفاضة رجلا قد خرج من عندها في أوقات الريب فيتحقق به صدق الاستفاضة ، فيجوز له في هذه [ ص: 17 ] الأحوال الأربع أن يقذفها بالزنا ويلاعن منها ، فإن أمسك عن قذفها ولعانها جاز ، وكانا على الزوجية وحال الإباحة لما روي أن رجلا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن امرأتي لا ترد يد لامس ، فقال له - صلى الله عليه وسلم - : طلقها ، قال : إني أحبها ، قال : فأمسكها ، فأباح إمساكها مع ما كنى عنه من زناها .

والقسم الثاني : أن التي لا يجوز أن يقذفها ولا أن يلاعن منها وهي العفيفة ، وهي التي لم يرها تزني ولا أقرت بالزنا ، ولا استفاض في الناس زناها ولا أخبره ثقة بزنا ، فلا يحل له قذفها ، ولا أن يلاعن منها ، قال الله تعالى : إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم [ النور : 11 ] .

نزلت هذه الآية في الإفك على عائشة - رضوان الله عليها - ، وحكمها عام .

والقسم الثالث : مختلف في جواز قذفها ولعانها ، وهو أن يستفيض في الناس زناها ، ولا يرى مع الاستفاضة رجلا يدخل عليها ولا يخرج من عندها ، ففي جواز قذفها ، ولعانها وجهان :

أحدهما : يجوز ؛ لأن الاستفاضة أقوى من خبر الواحد وإن كان ثقة .

وإنه لما جاز أن تكون الاستفاضة لوثا في القسامة يحلف بها على القتل ، جاز أن تكون من شواهد القذف .

والوجه الثاني : وهو قول أبي حامد الإسفراييني أنه لا يجوز أن يقذفها به ؛ لأن هذه الاستفاضة قد يجوز أن تشتهر عن قول واحد يتخرص عليها بالكذب . والأول منهما أظهر عندي ، فأما إن رأى رجلا يخرج من عندها لم يجز أن يقذفها ؛ لأنه ربما خرج من عندها لحاجة أو ربما ولج عليها فلم تطعه ، فهذا حكم الحائل .

التالي السابق


الخدمات العلمية