الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإن علم ذهاب عقله في حال من أحواله ، فلا يخلو حال القذف من أمرين :

إما أن تقوم به بينة أو لا تقوم ، فإن لم تقم به بينة لمن ادعى القذف ، فقال : كان هذا القذف مني وأنا ذاهب العقل ، أو قال : قذفتك هذا القذف وأنا ذاهب العقل ، فالقول قوله مع يمينه ، لا يختلف ، ولا حد عليه قولا واحدا ، لأن جنبه حمى ، ولم يثبت عليه قذف يوجب الحد ، وإن قامت عليه بالقذف بينة ، فقال عند ثبوتها عليه : كنت عند قذفي هذا ذاهب العقل ، فلا يخلو من ثلاثة أحوال :

أحدها : أن تشهد البينة بالقذف ، أنه كان صحيح العقل عند قذفه ، فالحد واجب عليه ، وليس لدعواه تأثير في سقوطه .

والحال الثانية : أن يقيم القاذف بينة أنه كان ذاهب العقل عند قذفه ، فيحكم بها إذا شهدت بذهاب عقله في قذف قذفها به ولم يسقط الحد عنه لجواز أن يكونا قذفين :

أحدهما : في صحة ، والآخر في مرض .

والحال الثالثة : أن لا يقيم المقذوف بينة على صحة عقله عند القذف ، ولا يقيم القاذف بينة على ذهاب عقله عند القذف ، ففيه قولان :

أحدهما : أن القول قول القاذف ولا حد عليه ، وهو الذي نص عليه الشافعي :

[ ص: 23 ] لأن وجوب الحد مشروط بصحة العقل وذلك محتمل ، فصارت شبهة في إدرائه .

والقول الثاني : أن القول قول المقذوف مع يمينه اعتبارا بالأصل في الصحة ، ويحد القاذف إلا أن يكون زوجا فيلاعن ، وهذا قول مخرج .

واختلف أصحابنا في تخريجه .

فقال أبو حامد الإسفراييني : هو مخرج من اختلاف قوليه في قطع الملفوف في ثوب إذا ادعى قاطعه أنه كان ميتا ، وادعى وليه أنه كان حيا .

وقال ابن سراقة : هو مخرج من اختلاف قوليه في اللفظ إذا قذف وادعى أنه عبد .

والفرق بين أن يقر بالقذف من غير بينة ويدعي فيه ذهاب العقل فيقبل قولا واحدا ، وبين أن يدعيه بعد قيام البينة عليه فلا يقبل في أحد القولين ، أن البينة قد تقررت بشهادة توجب الحد والإقرار له بتجرد عن دعوى تسقط الحد ، والحدود تدرأ بالشبهات بخلاف الحقوق ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية