الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : " ولو التعن وأبين اللعان فعلى الحرة البالغة الحد والمملوكة نصف الحد ، ونفي نصف سنة ، ولا لعان على الصبية ؛ لأنه لا حد عليها " .

قال الماوردي : كما قال : " إذا تزوج الحر أربع زوجات ، إحداهن حرة مسلمة ، والثانية حرة كتابية ، والثالثة أمة مسلمة ، والرابعة صغيرة بالغة ، وقذفهن بالزنا ، فالكلام في ذلك يشتمل على ثلاثة فصول :

أحدها : في حكم قذفه لهن .

والثاني : في حكم لعانه منهن .

والثالث : في حكمهن إذا لاعن منهن .

فأما الفصل الأول في حكم القذف لهن : فعليه الحد بقذف الحرة المسالمة لكمالها ، وعليه التعزير في قذف الكتابية والأمة والصغيرة لنقصهن ، وأما الفصل الثاني في اللعان منهن : فله أن يلتعن من الحرة المسلمة إجماعا ، ليسقط الحد عن نفسه بالتعانه ، وله عندنا أن يلتعن من الكتابية والأمة ليسقط التعزير عن نفسه بالتعانه .

وقال أبو حنيفة : ليس له أن يلتعن منهما إذا لم يكونا من أهل الشهادة ولم يكمل الحد في قذفهما ، وقد مضى الكلام معه .

وأما الصغيرة : فلها حالتان :

إحداهما : أن تكون ممن لا يجامع مثلها لصغرها ، كالتي لها سنة ، فلا يكون رميها بالزنا قذفا ؛ لأن القذف ما احتمل الصدق والكذب ، وقذف هذه كذب محض لا يحتمل الصدق فكان سبا ولم يكن قذفا ، فكان التعزير المستحق فيه تعزير سب ولم يكن تعزير [ ص: 29 ] قذف ، وليس للزوج أن يلاعن منه ، لأن السب لا لعان فيه ، وإنما اللعان في القذف ، وإذا كان كذلك ففي تعزيره عليه قبل بلوغها وجهان :

أحدهما : لا يعزر حتى تبلغ فتطالب .

والثاني : يعزر قبل بلوغها ؛ لأن تعزير القذف حد موقوف على بلوغها ، وتعزير السب أدب يجوز استيفاؤه قبل بلوغها ، فعلى هذا فيه وجهان :

أحدهما : أنه موقوف الاستيفاء على المطالبة من الولي لقيامه بحقوقها .

والثاني : أنه موكول إلى الإمام في استيفائه لقيامه بالمصالح .

والحال الثانية : أن يكون مثلها ممن تجامع ، لأنها ابنة سبع أو ثمان ، فيكون رميها بالزنا قذفا لاحتماله الصدق والكذب ، ويكون التعزير فيه بدلا من حد الكبيرة . ويكون موقوفا على بلوغها لتكون هي المطالبة به فيعزر لها إلا أن يلتعن منها ، فإن أراد أن يلتعن منها قبل بلوغها ، ففي جواز لعانه وجهان مضيا .

التالي السابق


الخدمات العلمية