الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي - رضي الله عنه - : " ولو بانت فقذفها بزنا نسبه إلى أنه كان وهي زوجته حد ولا لعان ، إلا أن ينفي به ولدا أو حملا فيلتعن . فإن قيل : فلم لاعنت بينهما وهي بائن إذا ظهر بها حمل ؟ قيل : كما ألحقت الولد لأنها كانت زوجته فكذلك لاعنت بينهما لأنها كانت زوجته ، ألا ترى أنها إن ولدت بعد بينونتها كهي وهي تحته ، وإذا نفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الولد وهي زوجة ، فإذا زال الفراش كان الولد بعدما تبين أولى أن ينفى أو في مثل حاله قبل أن تبين " .

قال الماوردي : وهذا كما قال : إذا بانت منه زوجته إما بالطلاق الثلاث ، وإما بالخلع ، وإما بالفسخ ، وإما بطلاق رجعي لم يراجع فيه حتى انقضت العدة فصارت بهذه الأمور بائنا ، ثم قذفها بزنا نسبة إلى أنه كان منها وهي زوجته فالحد عليه واجب ، واختلف الناس في جواز لعانه منها على ثلاثة مذاهب :

أحدهما : وهو قول عثمان البتي : له أن يلاعن سواء أراد أن ينفي به نسبا أو لم يرد .

والمذهب الثاني : وهو قول أبي حنيفة : ليس له أن يلاعن ، سواء أراد أن ينفي به نسبا أو لم يرد . وبه قال الأوزاعي ، وأحمد بن حنبل .

والمذهب الثالث - وهو قول الشافعي - : إن أراد أن ينفي به نسبا كان له أن يلاعن ، وإن لم يرد أن ينفي به نسبا لم يكن له أن يلاعن ، فأما عثمان البتي ، فاستدل على جواز اللعان في الحالين بأنه قذف مضاف إلى الزوجية فجاز اللعان منه قياسا على نفي النسب ، وأما أبو حنيفة فاستدل على منعه من اللعان في الحالين : بأنه قذف صادف أجنبية فلم يجز أن يلاعن منه كالحائل .

والدليل على ما قاله الشافعي من جوازه لنفي النسب والمنع منه في عدمه ، أن اللعان موضوع للضرورة الداعية إليه في إحدى حالتين ، إما لمعرة بزناها في نكاحه ، وإما لنفي نسب من لا يلحق به .

والثاني : قد زال عارها عنه ، ولم ينف ولدها عنه ، فلذلك جاز أن يلاعن مع وجود النسب للضرورة الداعية إلى نفيه ولم يجز أن يلاعن مع عدم النسب لزوال [ ص: 36 ]

معرتها عنه بالفرقة ، وهذا دليل عليهما وانفصال عن استدلالهما ، ثم يدل على البتي خاصة في عدم النسب أنه قذف لم يحتج إليه فلا تلاعن منه كالأجنبية ، ويدل على أبي حنيفة خاصة مع وجود النسب أنه قذف اضطر إليه فجاز أن يلاعن منه كما لو كانت زوجه ؛ لأن ولدها يلحق به بعد الفرقة كما يلحق به قبلها . فإن قيل : يفسد بأم الولد لا يجوز أن يلاعن منها وإن اضطر إلى نفي نسب ولدها ، قيل : يقدر على نفي نسبه بغير اللعان وهو دعوى الاستبراء فلم يضطر إلى اللعان بخلاف الزوج .

التالي السابق


الخدمات العلمية