الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما إذا قذف زوجته في حال نكاحها بزنا نسبه إلى أنه كان منها قبل نكاحها ، فقال : زنيت قبل أن أتزوجك فقد اختلف الفقهاء في جواز لعانه على وجهين : بناء على خلافهم في جواز لعانه بعد الفرقة ، فذهب أبو حنيفة : إلى جواز لعانه اعتبارا بحال القذف ؛ لأنه قذفها وهي زوجة ، لذلك منع من جواز اللعان بعد الفرقة . وذهب الشافعي إلى أنه لا يجوز أن يلاعن اعتبارا بحال الزنا ، وأنها كانت غير زوجته ولذلك جوز اللعان بعد الفرقة فاعتبر الشافعي باللعان حال الزنا دون القذف ، واعتبر أبو حنيفة حال القذف دون الزنا استدلالا بقوله تعالى : والذين يرمون أزواجهم [ النور : 16 ] فجاز أن يلتعن كل قاذف لزوجته ، ولأنه قاذف لزوجته فجاز لعانه كالزنا في الزوجية ، قال : ولأنه لما جاز أن يلاعن من الزنا الحادث في نكاحه لئلا يلتحق به ولد الزنا جاز في الزنا المتقدم أن يلاعن لهذا المعنى .

ودليلنا قوله تعالى : والذين يرمون المحصنات [ النور : 4 ] الآية ، وهذا في الزنا الذي رميت به أجنبية فحد ولم يلتعن ، ولأنه قذف بزنا هي فيه أجنبية منه فلم يجز أن يلاعن به كما لو لم يتزوجها ، ولأن أصول الشرع مستقرة على أن حد القذف معتبر بحال الزنا لا بحال القذف . ألا ترى لو قال لمعتق : زنيت قبل عتقك ، ولبالغ : زنيت قبل بلوغك ، ولمسلم : زنيت قبل إسلامك ، لم يحد القاذف اعتبارا بحال الزنا دون حال القذف ، وكذلك في اللعان بالقذف فأما الاستدلال بالآية ففيما ذكرناه من الاعتبار بحال الزنا دون القذف دليل على أنه قاذف بالزنا لغير زوجته فلم يكن فيها دليل .

وأما قياسهم على الزوجية ، فالمعنى في الزوجة ضرورته إلى قذفها لرفع المعرة ونفي النسب ، وليس كذلك هذه ؛ لأنه لا معرة عليه ، ولا ضرر يلحقه فيما لم يكن في نكاحه .

وأما قولهم : إنه قد يلحق به ولدها من الزنا المتقدم إذا وضعته لستة أشهر من وقت عقده فاضطر إلى قذفها والتعانه منها ، فقد اختلف أصحابنا في جواز التعانه ، منها إن كانت ذات ولد على وجهين :

أحدهما - وهو قول أبي علي بن أبي هريرة - : يجوز حينئذ للضرورة أن يلاعن لأنه [ ص: 38 ] إذا جاز أن ينفي نسبا بزنا كان على فراشه فأولى أن ينفيه بزنا كان قبل نكاحه . ولا سبيل إلى نفيه إلا بقذفها .

والوجه الثاني : وهو قول أبي إسحاق المروزي أنه لا يجوز أن يلاعن منها إن كانت ذات ولد كما لا يجوز أن يلاعن منها وإن خلت من ولد ؛ لأنه زنا من أجنبية ، ولا ضرورة به إليه ، وإن كانت ذات ولد ؛ لأنه قد يمكن أن يقذفها بزنا مطلق فيلاعن منه ولا ينسبه إلى ما قبل الزوجية فيمنعه من اللعان والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية