الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما الحالة الثالثة : فهو أن لا يقيم البينة ولا يلاعن ، فقد صار قاذفا لاثنين وقذف الاثنين ينقسم ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يقذفهما بزنائين بلفظين فيقول : زنيت يا زيد ، وزنيت يا عمرو ، أو يقول لرجل وامرأة : زنيت يا رجل بغير هذه المرأة ، وزنيت يا امرأة بغير هذا الرجل ، فعليه لكل واحد منهما حد القذف ولا يدخل أحد الحدين في الآخر .

[ ص: 67 ] والقسم الثاني : أن يقذفهما بزنائين بلفظ واحد فيقول لرجلين أو امرأتين زنيتما ، ففي الحد لها قولان :

أحدهما : وهو قوله في القديم ، يحد لهما حدا واحدا ؛ لأن اللفظ بقذفهما واحد . والقول الثاني - وهو قوله في الجديد - : يحد لهما حدين ؛ لأنه قاذف لاثنين بزنائين فصار كقذفه لهما بلفظين .

والقسم الثالث : أن يقذفهما بزناء واحد فيقول لامرأة : زنيت بهذا الرجل ، أو يقول لرجل : زنيت بهذه المرأة ، فالصحيح ومما عليه جمهور أصحابنا أنه يجب فيه حد واحد ؛ لأنه قذف بزنا واحد ، ومن أصحابنا من خرجه على قولين كالزنائين بلفظ واحد ، وليس بصحيح ؛ لأن قذف الاثنين بالزنا الواحد قذف واحد ، وقذف الاثنين بزنائين قذفان فجاز أن يجب في القذف الواحد حد واحد ، وفي القذفين حدان ، وإذا وجب في القذف بالزنا الواحد حد واحد فهو مشترك في حق المقذوفين به ، فأيهما طالب بالحد فله أن يستوفيه كاملا ، لا يسقط بعفو أحدهما حتى يعفوا عنه معا ، وإذا كان كذلك لم يخل حال الزوجة والأجنبي في قذف الزوج لهما من أربعة أحوال :

أحدهما : أن يصدقاه على الزنا فيسقط حد القذف عن الزوج ويجب حد الزنا عليهما ، وللزوج أن يلاعن إن شاء لرفع الفراش ونفي النسب .

والحال الثانية : أن يكذباه ويطالباه بحدهما فيحد لهما حدا واحدا على الأصح من المذهب ، ومن أصحابنا من خرجه على ما ذكرنا من القولين ، ولو طالبه أحدهما وعفا عنه الآخر حد للطالب حدا كاملا وله إسقاطه باللعان ، سواء طالبته به الزوجة أو الأجنبي لاختصاصه بالزوجة .

والحال الثالثة : أن تصدقه الزوجة ويكذبه الأجنبي . فقد سقط حد القذف عن الزوج في حق الزوجة لتصديقها ، ولم يسقط عنه في حق الأجنبي لتكذيبه ، وله أن يستوفيه كاملا ، ويجوز للزوج أن يلاعن منه في حق الأجنبي لاختصاصه بالزوجية ووجب على الزوجة حد الزنا بإقرارها وحد القذف للأجنبي لأنها صارت بالإقرار قاذفة له

والحال الرابعة : أن يصدقه وتكذبه الزوجة ، فيسقط عن الزوج حد القذف في حق الأجنبي لتصديقه ، ولا يسقط عنه في حق الزوجة لتكذيبها ، ووجب على الأجنبي حد الزنا بإقراره وحد القذف للزوجة ؟ لأنه صار بالإقرار قاذفا لها ، ولا يسقط حق القذف بالتعان الزوج منها ، لأن اللعان لا يسقط حد القذف إلا في حق الزوج دون الأجانب - والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية