الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : وزعم بأنه استدل بأن الله تعالى لما أوجب على الزوج الشهادة ليخرج بها من الحد ، فإذا لم يخرج من معنى القذف لزمه الحد ، قيل له : وكذلك [ ص: 82 ] كل من أحلفته ليخرج من شيء ، وكذلك قلت : إن نكل عن اليمين في مال أو غصب أو جرح عمد حكمت عليه بذلك كله ، قال : نعم ، قلت : فلم لا تقول في المرأة إنك تحلفها لتخرج من الحد وقد ذكر الله تعالى أنها تدرأ بذلك عن نفسها العذاب ، فإذا لم تخرج من ذلك فلم لم توجب عليها الحد كما قلت في الزوج وفيمن نكل عن اليمين ؟ وليس في التنزيل أن الزوج يدرأ بالشهادة حدا ، وفي التنزيل أن للمرأة أن تدرأ بالشهادة العذاب وهو الحد عندنا وعندك وهو المعقول والقياس وقلت له : لو قالت لك : لم حبستني وأنت لا تحبس إلا بحق ؟ قال : أقول حبستك لتحلفي فتخرجي به من الحد . فقالت : فإذا لم أفعل فأقم الحد علي . قال : لا ، قالت : فالحبس حد ؟ قال : لا ، فقال قالت : فالحبس ظلم ، لا أنت أقمت علي الحد ولا منعت عني حبسا ولن تجد حبسي في كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس على أحدها . قال : فإن قلت : فالعذاب الحبس ، فهذا خطأ ، فكم ذلك مائة يوم أو حتى تموت وقد قال الله تعالى : وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين أفتراه عنى الحد أم الحبس ؟ قال : بل الحد ، وما السجن بحد ، والعذاب في الزنا الحدود ، ولكن السجن قد يلزمه اسم عذاب ، قلت : والسفر والدهق والتعليق كل ذلك يلزمه اسم عذاب قال : والذين يخالفوننا في أن لا يجتمعا أبدا ، وروي فيه عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود رضوان الله عليهم لا يجتمع المتلاعنان أبدا رجع بعضهم إلى ما قلنا ، وأبى بعضهم " .

قال الماوردي : وهذا أراد به أبا يوسف ، فإن أبا يوسف يوجب الحد على الزوج إذا امتنع من اللعان ، ولا يوجب الحد على الزوجة إذا امتنعت منه ويحبسها حتى تلاعن .

وقال أبو حنيفة : لا يحدان معا ويحبسان حتى يلاعنان ، وعلى مذهب الشافعي : أنهما يحدان ولا يحبسان ، فصار أبو يوسف موافقا لأبي حنيفة في حبس الزوجة ، وموافقا للشافعي في حد الزوج ، وحبس كل واحد منهما خطأ لقول الله تعالى : ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله [ النور : 8 ] . فدل على أن تركها للشهادة موجب لتوجه العذاب عليها .

فإن قال : فالحبس عذاب ، قيل : فقد قال الله تعالى : وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين [ النور : 2 ] أفيحبس الشهود معهما ؟ ثم يقال له : جعلت الحبس عذابا لهما ؛ لأنه العذاب المخصوص بالزنا والقذف ، أو لأنه نوع من أنواع العذاب ؟ فإن قال : لأنه العذاب المخصوص بالزنا قيل : إن الله تعالى عذب الزاني بالحد لا بالحبس . وإن [ ص: 83 ] أوجب الحبس ؛ لأنه نوع من العذاب ، قيل له : لم خصصت الحبس من بين أنواعه ؟ هلا عدلت إلى الدهق ، والتعليق ، والإعزار ، والتجويع ، ثم يقال له : أحبستهما على حق أو غير حق ؟ .

فإن قال : لحق ، قيل : هلا استوفيت ذلك الحق ومنعت من الحبس ؟ فإن قال : إنه لا يستوفى إلا منها فلذلك حبست عليه ، قيل له : فما ذلك الحق ؟ فإن ذكره لم يجب الحبس ، وإن لم يذكره علم أنه ليس عليها عنده حق ، ثم يقال لأبي يوسف : حددت الزوج ولم يدرأ الله عنه العذاب بلعانه ، ولم تحد الزوجة وقد درأ الله تعالى بلعانها الحد عنها ، فكان عكس مقالتك أولى لو كان بينهما فرق ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية