الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولو قال لابن ملاعنة : لست ابن فلان أحلف ما أراد قذف أمه ولا حد ، فإن أراد قذف أمه حددناه ، ولو قال ذلك بعد أن يقر به الذي نفاه حد إن كانت أمه حرة إن طلبت الحد والتعزير إن كانت نصرانية أو أمة ( قال المزني ) رحمه الله : قد قال في الرجل يقول لابنه : لست بابني ، إنه ليس بقاذف لأمه حتى يسأل ؛ لأنه يمكن أن يعزيه إلى حلال وهذا بقوله أشبه " .

قال الماوردي : وجملة ذلك أن يقال لولد الرجل : لست ابن فلان ، فلا يخلو حال الولد من ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يكون ابن ملاعنة قد نفاه أبوه بلعانه .

والثاني : أن يكون ابن ملاعنة قد استلحقه أبوه بعد نفيه .

والثالث : أن يكون ابن غير ملاعنة .

فأما القسم الأول : وهو أن يكون ابن ملاعنة قد نفاه أبوه بلعانه ، فيقول له أجنبي : لست بابن فلان ، فهذا القول منه يحتمل أمرين متساويين ، يحتمل أن يريد : لست بابنه ؛ لأنه قد نفاه بلعانه فلا يكون قاذفا لأمه ، ويحتمل أن يريد به أن أمه زنت به فيصير قاذفا لأمه : فصار من معارض القذف وكناياته ، فوجب مع المطالبة أن يرجع فيه إلى بيان في إرادته ، وله في بيانه ثلاثة أحوال :

أحدها : أن يريد به قذف أمه .

[ ص: 90 ] والثاني : أن لا يريد به قذفها .

والثالث : أن لا تكون له إرادة ، فإن أراد به قذف أمه حد لها ، وإن لاعن الزوج منها ؛ لأن لعانه بينة في حقه وليست بينة في حق غيره ، فصارت على عفتها مع الأجانب وإن ارتفعت عفتها مع الزوج ، فيحد لها إن كانت حرة مسلمة ، ويعزر لها إن كانت ذمية أو أمة ، وقد روى ابن عباس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فرق بين المتلاعنين ونفى النسب ، وقضى ألا ترمي ولا يرمى ولدها ، فمن رماها فعليه الحد .

وهذا نص الشافعي ، ومطلق جوابه في قذفها ، وتفصيل هذا الإطلاق أشبه بالحق عندي ، وهو أن يعتبر حال الملاعنة ، فإن لاعنت بعد لعان الزوج كانت على عفتها مع الأجانب فيحد قاذفها ، وإن لم تلاعن وحدت في الزنا ، ذهبت عفتها ، ولم يحد قاذفها ؛ لأنه يتنافى ثبوت العفة ووجوب الحد كما يتنافى إذا وجب بالبينة ، وإن لم يرد به قذف أمه وأراد به نفيه عن الأب بلعانه فلا حد عليه ؛ لأنه في الحكم كذلك ، فإن ادعت الأم أنه أراد قذفها أو ادعى ذلك الابن بعد موتها أحلف بالله ما أراد قذفها ولا حد عليه ، فإن نكل عن اليمين حلفت بالله لقد أراد قذفها أو حلف ولدها بعد موتها فإذا حلفت حد لها حد القذف ، وإن نكلت أو نكل ولدها فلا حد عليه وإن لم يكن له إرادة قذف فلا حد عليه ؛ لأن الكناية إذا تجردت عن نيته سقط حكمها كالكناية في الطلاق ، فإذا ادعت عليه إرادة القذف أحلف على ما مضى .

التالي السابق


الخدمات العلمية